الهدر الحقيقي للوقت
أكتب لكم هذا اليوم بعد غياب … محاولاً أن أغطي نقطتين، الأولى عن مقالة مؤثرة (بالنسبة لي) للكاتب محمد معروف الشيباني بعنوان: الهدر الحقيقي، يقول فيها:
“أخطر عنصر (يُبدّده) بعض المسؤولون ليس (المال)، و لا (الثقة)، و لا (المصداقية)، و لا (الجهد)، رغم الأهمية البالغة لكلٍ منها. إنه (الوقت) المحسوبُ من أعمار الشعب، كل يوم تغربُ شمسه لا يعود. “
ثانيها: تعطل حياتي بشكل تام بسبب المرض لعدة أيام.
عُدت من إجازة العيد بكل حماس لأبدأ العمل، وهذا بالطبع شعور جيد أحمد الله عليه، لأنه يدفعني للمزيد من العمل عوضاً عن الهروب من حياتي بحثاً عن الإجازات. أنهيت جميع إلتزاماتي الأسرية والإجتماعية يوم السبت قبل أذان العشاء، في محاولة مني لاستغلال فترة المساء بترتيب أيام الأسبوع، إضافةً لمحاولة أخرى فاشلة بالذهاب للنوم مبكراً.
رتبت جدول يومين فقط … لكي أبرهن لنفسي أنني لا أبالغ في أهمية التخطيط الأسبوعي، ولأعطي الأمر عقلانية أكثر بالتنسيق المحدود، وكانت هذه هي نتيجة الخطة:
يومي الأحد والإثنين مليئة بأحداث إنتاجية رائعة، وبالطبع ستنتهي بتخطيط الأيام الثلاثة التالية حسب ما تم إنجازه خلال الأيام الأولى.
ماذا حدث بعد ذلك؟
استيقظت آخر الليل في يوم الأحد وأنا أشعر بآلام شديدة في معدتي مرافقة لسخونة وصداع غريب!
وبعد عدة تشخيصات وزيارات للطبيب، اكتشفت أنني مصاب بالتهاب حاد في القولون، مما أحدث لي ربكا نفسية جسدية محزنة لم أقم منها على خير إلا مع نهاية يوم الخميس، لينتهي الأسبوع (تقريباً) دون أي إنتاجية.
أُصبت بالإحباط … رغم أنني بالفعل لم أملك إلا أن أستسلم للمرض وأنام لأكثر من ١٦ ساعة كل يوم وقتها. لم أرد أن يُحسب علي هذا الأمر كنوع من التخاذل. لكنني بالفعل تعلمت أن الإنسان لا يملك من حياته إلا خيارات محدودة في أوقات محدودة يجب عليه استثمارها بأفضل شكل.
شاهدي هُنا … أن الأسبوع الحالي أصبح مُتخماً بالمهام والمشاكل المعلقة جراء تغيبي في الأسبوع الماضي، وستبقى كل الأمور في الإنتظار سواءاً بوجود مرض أو غيره.
أكثر من ٢٠ مهمة عمل صغيرة تعطلت، وأكثر من ٩ مقالات كانت يجب أن تُكتب ولم أكتبها! وفي الحقيقة … أشعر بالقليل من السعادة كوني على الأقل شخص يعتمد عليه بإنجاز بعض المهام العملية وغيرها، والكثير من الحزن لأنني بالفعل قد لا أملك تلك القدرة المتناهية بالتحكم في حياتي.
أُكمل اشهر القادم عامي السابع والعشرين … وأظل أتسائل عن الهدر الحقيقي للوقت الذي صرفته طيلة السنوات التي مضت! هل يكفي العمل؟ والقليل من الكلمات؟ .. والقليل من القراءات؟ هل أعيش (أو نعيش) هدراً حقيقي للوقت؟ … آآه سؤال فلسفي حقيقي يجب أن يُسأل.
اعترفت سابقاً .. أنني أُعاني من وسواس الوقت (ولازلت)، فعندما أسست أول أعمالي الخاصة عندما كُنت في الثالثة والعشرين كُنت أرى تعابير أوجه الناس وهي تضج بالإعجاب على هذا الإنجاز الرائع!! ودعني أعترف هنا أن هذه النظرة قد اختفت تماماً الآن!! وأن الشركة التي أسستها آن ذاك قد فشلت وأُقفلت شر قفلة! وها أنا اليوم أسابق الزمن والقدرات الإنسانية لأكتب وأعمل كل يوم محاولاً الوصول لأي درجة من درجات الإنجاز.
الهدر الحقيقي هو الوقت كما قال الأستاذ الشيباني … ومشكلتي اليوم أكبر في عدم تقديري لمشكلة الوقت كما يجب!
أرجو أن لا أكون قد أثقلت عليك بهذه المقالة “المازوخية” أو “جلد الذات” كما يحب أن يطلق عليها علماء الإجتماع، لكنني بالفعل لن أشعر بأي ارتياح طالما لم أكتب عن ذلك الأسبوع المُمل! ولعلي باعترافي هنا أكون قد سجلت وعي بالمشكلة ابتداءاً من اليوم، وربما بكتابة هذه الكلمات قد سجلت عودتي لمسار حياتي الصحيح الذي يُلزمني بإزعاجك عزيزي القارئ كل يوم.
أرجو من نفسي وأرجوك يا أخي … أن نهرب من خانة الهدر الحقيقي للوقت، لا نريد أنا وأنت أن نستيقظ بعد ثلاثين سنة ونجد أننا بالفعل قد أهدرنا الكثير من الوقت كما يقول المثل الدارج:
“زي أم العروسة … مشغولة فاضية”.
النشرة الإخبارية
انضم إلى النشرة الإخبارية لتلقي آخر التحديثات.