شعرتين بيضة
يحكي عمر طاهر في كتاب المواصلات:
«سألت صديقي الذي يكبرني قليلًا إن كان قد صبغ شعر رأسه «ولا بيتهيألي». أعرف أنه سؤال محرج، ولم يحدث أن وجهته لأحد، ولكن ما بيننا كان يسمح لي بقليل من الوقاحة. قال صديقي إنه يحاول أن يضع كل شيء في مكانه بالضبط، فالشعر الأبيض الذي فرض كلمته لا يشبه ما يشعر به تجاه حقيقة سنوات عمره، وأنه يشعر بأزمة يومية أمام المرآة، فهناك شخص آخر لا يشبهه يطل منها، ثم أنهى كلامه قائلًا: «مش عارف على إيه الشعر الأبيض ده كله، أنا لسه ما عملتش حاجة».
ويضيف..
«صديقي ليس من النوع «العايق»، ولم يفعل ذلك كذئب بشري محتمل، وهو ليس نجمًا يخاف على جماهيريته، لذلك صدقته، قلت له: «كل سن وله حلاوته»، لم يعترض، ولكنه قال: «أنا بس ما كنتش عامل حسابي… اتاخدت غدر». أخمِّن أن صديقي الذي عبر منتصف الأربعينيات قد تعرض لأكثر من «خضة» أربكت حساباته، من نوعية أن يسمع من مراهق شحط في الشارع: «يا عمو»، أو صديق «يمنشنه» في صورة مشتركة على فيس بوك وقد كتب عليها: «العجمي من 25 سنة».
ثم يتبعها بقصة ابن الجيران..
«كان صلاح جاهين يحكي أنه منذ طفولته، كان كلما انتقل إلى بيت جديد يفتش عن «بنت الجيران» التي ستصبح ملهمته، وستجعله يعيش حالة «ابن الجيران»، إلى أن استقر في بيته الأحدث، ويحكي أنه في أول يوم وعند خروجه التقى بـ«بنت الجيران» أمام باب الأسانسير، فابتهج وقرر أن يفتح معها كلامًا، فألقى تحية الصباح، فردت: «صباح الخير يا أونكل»، يقول جاهين: «ساعتها أدركت أنني لم أعد «ابن الجيران»، بل أصبحت «الجيران نفسهم»».
وأعلّق: أن الانتقال السريع من خانة «الكشف» لحالة «الغطاء» من نساء الأسرة كان له أثرًا غير محمود في نفسي بصراحة، إضافًة إلى انتقالي فجأة من «مستقبِل» إلى «مُتبرِّع» بالعيديات والذي تسبب لي بنوع من الإحباط أيضًا، ناهيك عن الاشتراك الرسمي في جميع أنواع الطلعات العائلية دون أي محاولات تذكير إنني أصغر ثاني حفيد وأصغر ابن لوالدَي.
سبب لفت الانتباه اليوم يعود إلى أن أحد الأصدقاء قبل يومين في طلعة بر كان قد علّق على انزعاجي من صوت الموسيقى المرتفع، بقوله «هذا اللي إنت فيه يا أبو حميد من علامات تقدّم السن!»، رغم أن هناك شعرتين بيضاء بالعدد في مكانٍ ما في الذقن.
شيءٌ آخر داخلي أقنعني أن التصالح مع هذه الفكرة أمرٌ حتمي، طبعًا مع استبعاد ذِكرى الآنسة الكريمة التي سألتني في إحدى معارض الكتاب «إن كانت يجب أن تناديني أحمد أم عمو أحمد» لأخبرها -ليس من باب التواضع- بل من باب الهروب بالاكتفاء بأحمد (حاف).
ولا أود أنا الآخر أن أشعُر بالغدر.. وفي نفس الوقت لا أود أن أتصابى عوضًا عن تهكّمي على المتمشيخيين.
النشرة الإخبارية
انضم إلى النشرة الإخبارية لتلقي آخر التحديثات.