لماذا نسعى لتغذية المشاعر بدلًا من الإحساس؟
تأمل بسيط في عبادة المشاعر لدى الإنسان المعاصر.
إن راقبت نفسك عن كثب، ستكتشف أن أسعد لحظاتك مرتبطة بالأشياء البسيطة.
قراءة كتاب. جلسة مع الأصدقاء أو العائلة.
أو كوب قهوة في مكان بجانب منزلك، لا تحاول أن تُلتهي كثيرًا بما يفرضه عليك العالم أو التحديات.
تتمثل كلها داخل استقرار حسّي عميق، وهو ضمن سلسلة من محاولات تمكين الهدوء واليقظة في حياتنا، بعيدًا عن الضوضاء.
يدعونا ميشيل لاكروا في كتابه «عبادة المشاعر» إلى التفرقة بين الأحاسيس والمشاعر؛ المشاعر التي أصبحت تستعبد الإنسان المعاصر في عدة نواحٍ في حياته.
« يجب أن نميّز بدقة بين الأحاسيس والمشاعر.
الأحاسيس هي حالات داخلية عميقة، مُستقرة نسبيًا، ومُرتبطة بتجربة وجودية طويلة الأمد. إنها تُشكِّل نسيج الشخصية، وتُعبِّر عن علاقتنا الأساسية بالعالم. الحب الحقيقي، الصداقة، الإيمان، الالتزام، الشعور بالانتماء... كلها أحاسيس. إنها تتطلب وقتًا لتنمو، وتُبنى على الذاكرة، والتكرار، والتأمل، والاختيار الواعي.
أما المشاعر فهي، على العكس، انفعالات عابرة، فورية، سطحية، وغالبًا غير إرادية. إنها ردود فعل جسدية وعصبية على محفّز خارجي: الخوف من صوت مفاجئ، الغضب من إهانة، الفرح من مفاجأة سارة. المشاعر تُشبه موجات البحر: تُثير، ثم تتلاشى. إنها لا تُبني شيئًا، بل تُهدِّد الاستقرار إذا أُعطيت لها السلطة.
الخطأ الكبير في ثقافتنا المعاصرة هو أننا نُخلط بين الاثنين: نُسمّي "حبًا" ما هو مجرد إثارة عاطفية، و"غضبًا مشروعًا" ما هو انفعال لحظي، و"ألمًا وجوديًا" ما هو مجرد إحباط عابر.
عندما نُقدِّس المشاعر، نُحوِّل الأحاسيس النبيلة إلى سلعة استهلاكية، ونُفرغ الحياة من عمقها. لأن الأحاسيس تُبنى بالصبر والعقل والإرادة، بينما المشاعر تُستهلك فورًا... ثم تُستبدل بالتالية. »
— ميشيل لاكروا، عبادة المشاعر، الفصل الثاني: "تشريح العاطفة".
ربما نحتاج إلى التركيز أكثر في استقرار الأحاسيس ومحاولة تهذيبها، عوضًا عن استكشاف ما تريده مشاعرنا من تجارب جيّاشة، تسبب لها «اهتزازات» كما يصفها لاكروا.
وجدت أن البحث عن اللحظات الهادئة التي ذكرتها بداية، هي أكبر مؤشر (سطحي) للاستقرار الحسي؛ وكلما نما عكسها، فإننا قد نعاني الكثير مشاعريًا دون أن نشعر.
النشرة الإخبارية
انضم إلى النشرة الإخبارية لتلقي آخر التحديثات.