تخطى الى المحتوى

عن إحدى بدايات علاقتي المعقّدة مع الأكل

مقالة ساخرة

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف
عن إحدى بدايات علاقتي المعقّدة مع الأكل
Photo by Amanda Lim / Unsplash

أحاول أن أجد طريقة أصف فيها علاقتي المعقّدة – منذ سن صغير – مع الأكل دون أن أهدم كل ما بنيتهم من برستيج أمام القارئ الكريم، ولكنني اليوم لستُ في مزاج يجعلني أتسلّح بالتثاقل، وسأرمي بالكلمات كما هي، وهنا قصة زرعت داخلي أزمة نفسية تجاه الأكل، وبداية أشكال الحسد المرتبط بالأكل:

عندما كُنت قرابة العاشرة في العُمر، قرر والدي رحمه الله أن يأخذني إلى أحد مشاويره الاعتيادية فترة المساء، ومن سوء وحسن الحظ أن شيئًا من حالة البُكم كانت قد أصابتني معظم فترات حياتي تلك الأيام. فلم أكن طفلًا معبرًا وكلمنجي كما هو الحال اليوم، واكتشفت عندما كبرت أنني كُنت سبب المشكلة وليس نتيجتها.

 وعودة إلى المشوار، قررت بشكلٍ استثنائي أن أعبِّر، وأقول كلما واحدة: «البيادر؟».

كان مخبز البيادر يقع بالقرب من دوّار الطيارة سابقًا، في امتداد شارع الروضة (الأمير سعود الفيصل الآن)، قبل تقاطع شارع الأربعين (الذي كان قريبًا نسبيًا من منزلنا). تميّز هذا المحل باختصار في أمرين؛ البيتزا صغيرة الحجم، وفطائر الهوتدوج، كان سعر الحبة الواحدة ريالًا واحدًا، رفعوها لاحقًا إلى ريالين.

عندما أزوره، كُنت أهندس طلبي في كل مرة أنوي فيها أن يكون عشائي منه؛ تارة أطلب أربع حبات بيتزا، وثلاث هوتدوج، وتارة العكس. لكن لم تخرج وجبتي دائمًا عن الرقم سبعة كمجموع للفطائر، إلا في حالات نادرة عندما أكون بالفعل جائعًا جدًا، أو أن هناك احتمالية مخاطرة مشاركة أحد من أخواتي أو من زوار غير متوقعين للمنزل يومها، لاضطر أن أزيد العدد اِتِّقَاءَا للشر.

في ذلك المساء وافق والدي على طلبي، واتجهنا إلى البيادر بعد انتهاء المشوار. انتظرته في السيارة، ودخل في دقائق معدودة، وجلب كيس الفطائر. فتحته فوجدت فيه سبع حبات بيتزا. تحفّظه على تناول اللحوم الحمراء والمصنعة جعله يستقر على اختيار البيتزا فقط، وهذا أمرٌ أتفهّمه جدًا، إلا إنني كنت منبهرًا باستقراره للعدد سبعة، الذي كان هو الرقم السري في عقلي في كل مرة كُنت أذهب فيه إلى البيادر، أو عندما أقوم بإرسال سائق المنزل.

«سبع حبّات. كيف عرف رقمي السري؟» سألت نفسي، مع إحساس لطيف داخلي يقول إن الآباء يعرفون عن أولادهم أكثر مما نتوقع، مع شعور غامر بالحميمية تجاه أبوته رحمه الله.

على كل حال، قررت تناول عشائي في السيارة قبل العودة إلى المنزل، وعندما وصلنا أمسك والدي بالكيس الذي كان فيه الفطائر، واكتشف أنه فارغ! لأتفاجأ بعدها بدقيقتين يدخل على والدتي في حالة فزع: «ألحقي!.. الولد أكل عشا أهل البيت كلّه لحاله في السيارة!».

قصص قصيرة

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

عن أجمل مطعم دخلته في حياتي

ڤيلا مايا

عن أجمل مطعم دخلته في حياتي
للأعضاء عام

مشهد من مشاهد الله (في تأمل فرعون وجنوده)

مقالة ضيف

مشهد من مشاهد الله (في تأمل فرعون وجنوده)
للأعضاء عام

هدية أحمد رويحل

عزيزي وصديقي أحمد مشرف،  كل عام وانت بألف خير وعقبال سنين كُثر قادمة لك بإذن الله كلها نجاح وازدهار وتأثير في كل من حولك ومن يقرأون لك. أكتب لك من القاهرة تلك المدينة التي أعلم أنك تُحبها وهي تُحبك كثيرًا، تُخبرني شوارع الزمالك بذلك كل