قصة أعظم مطعم كبدة في العالم
المكان الذي أُحب أن أُبهِر ضيوفي به في اسطنبول.
قصة هذا المكان معي طريفة نوعًا ما.
في ٢٣ يناير ٢٠١٦م، كُنت أجلس مع صديقي التركي «آيكوت» في إحدى جلسات التفاوض على شراء شقة لي، وأُخرى لوالدي في مدينة اسطنبول. آيكوت ابن عائلة تجارية، يعمل كابن جيل ثاني في المقاولات؛ إنسانٌ هادئ الأمر الذي يأخذ عشر دقائق في إنجازه، يأخذ معه ساعتين، كل أموره يقضيها على مهل؛ أحاول دومًا لقاءه في اليوم الذي لا يحمل أي التزامات طويلة لوعي بفشّته العائمة.
في تلك الجلسة، سألته سؤالًا ذكرت فيه مسافة شيءٍ ما، واستخدمت كلمة «ميل» Mile. ولأن لغته الإنجليزية ليست قوية، توقّف فجأة من تركيزه على جهاز الكمبيوتر، ونظر إليَ، وقال: ميل؟ (Meal) ثم أردف: «أنا جائع، هي نذهب لتناول الغداء!».
بالتأكيد استحسنت الفكرة دون الخوض في التفاصيل، وعندما سألني «ماذا أُحب أن أتناول؟ » طلبت منه أن يُفاجئني! خصوصًا إننا في منطقة تقع أقصى غرب مدينة اسطنبول، ولا أعرف أي خيارات تستحق الانتباه هُنا.
أخذني على مطعم اسمه Güngör Et Lokantısı، وهو مطعم من المستحيل لي، ولأي سائح أو لأي عربي مقيم في تلك المنطقة اكتشافه بسهولة؛ فبالإضافة إلى موقعه العام (بعيدًا عن كل مناطق الجذب السياحي)، فهو شبه نائي، ويتميز بديكور حميمي، وطاولات في مساحة كبيرة على حشيش أخضر. كما أن أطباقه تركية تقليدية، إلا إنها شديدة اللذة، وهناك استثناء غريب وعظيم فيه: الكِبدة.
عندما تذوقتها مع آيكوت، لم أصدق أن هناك أحدٌ في هذا العالم يطبخ الكبدة على السمن بهذه الطريقة! شيء غير معقول، وطبعًا الأطباق الأخرى لا تقل عن لذاذتها. ثم إنَّ لديهم حلى يسمونه «قطمير» كان الحلى الوحيد الذي يشتهيه والدي في الكرة الأرضية، وهو عجينة هشة مربعة تحتوي على المكسرات وجبنة لا تكاد تشعر بطعمها من خِفتها.
من شدة صرعتي على المحل، زارني في اليوم التالي قادمًا من جدة صديقي العزيز رامي شاكر، أخذته إلى المطعم، وسألته إن كان هذا بالفعل مطعم خارج المألوف أو إنني بالغت! ليعطيني التأكيد. ثم أخذت في اليوم الذي بعده شقيقتي وزوجها الذين وصلوا للتو قادمين من المدينة المنورة، لأترقّب معهم ردة فِعلهم لحظة تذوّقهم للكبدة، وبالفعل، انبهارًا يوازي انبهاري للمرة الأولى. وكان هذا المطعم الأول والأخير الذي تناولت فيه وجبة عشاء في ثلاثة أيام متتالية في حياتي!
أصبحت أستخدم هذا المطعم الغريب كسلاح لإبهار كل من يزورني في اسطنبول، أبالغ في رفع التوقعات، ليُلبّيها ويصل إليها. وفي الحقيقة هذا شعور رائع لمن جرّبه.
في إجازة الصيف الماضية، أخذت عائلتين لأصدقائي، وكان قد أعطى التأثير نفسه، لدرجة أن إحدى السيدات كانت قد اتصلت على زوجها لتخبره «إن ما سافرت مع أحمد، فأنت لم تسافر» طبعًا بعد أن سبق تلك الزيارة، زيارتنا لمطعم إيراني في وسط البلد، معتقدًا أن خياراتي كلها ودائمًا لا تخيب، وهذا بطبيعة الحال غير دقيق!
مشكلتي الوحيدة اليوم مع هذا المكان أنه رفع أسعاره كثيرًا؛ مع التضخم، وَأَيْضًا في المقارنة مع بقية الأماكن التي تُشبهه، ولكن سُرعان ما نتفق أنا وبعض أفراد أسرتي أنه يستحق الاستثناء من وقت لآخر.
علِمت من آيكوت أن هذا المطعم كان في الحقيقة بارًا لسكن الحي، ولأنهم دائما ما كانوا يزوروه ليشربوا دون وجود أحد يطبخ لهم، اقترحوا على صاحب المكان أن يوفر لهم شخًصا يطبخ لهم؛ على الأقل أكلات خفيفة، واستجاب لهذا الطلب. كانت المفاجأة أن طبّاخ المطعم وزوجته كانوا في غاية البراعة في طبخهم، لدرجة جعلت صاحب المكان يحوّله من بار إلى مطعم متكامل يستقبل العائلات بدلًا من السُكارى. ويكون مكانًا مميزًا بالفعل في تلك المنطقة.



النشرة الإخبارية
انضم إلى النشرة الإخبارية لتلقي آخر التحديثات.