لماذا لا تحب النساء خدمات العملاء من النساء؟
الجزء الأول
القصص التالية حقيقية مئة في المئة، وليست من وحي الخيال.
القصة الأولى:
الصيف قبل الماضي، قررنا كعادة الأسرة السنوية السفر إلى مدينة إسطنبول للمكوث قرابة الشهر والنصف فيها، ولأن عدد الأفراد في الرحلة كبير نسبيًا وحجم وعدد الحقائب أكبر، فمن الواجب عليَ كرب أسرة أن أتوخى كل أنواع الحذر والاحتياطات، درءًا لأي مفاجأة قبل وخلال وبعد أوقات الرحلة. ليلة السفر وقبل أن أنام، قمت بنفسي وبمساعدة زوجتي مرتين بقياس أوزان كل الحقائب عن طريق الميزان المخصص لهذه المهمة. بل أذكر والله أعلم أن بعض الحقائب كُنت قد قِست وزنها ثلاث مرات شكًّا في الدقة، وقد كان أثقلها لم يتجاوز الثلاث وعشرين كيلوجراما، وهو الوزن القانوني المسموح مع تذاكرنا للحقيبة الواحدة.
يوم السفر، استيقظنا مبكرًا، وذهبنا إلى المطار قبل الإقلاع بأكثر من ثلاث ساعات، مع إحساس داخلي بوجود خوابير، التي قدّر الله لنا أن تكون في انتظارنا. أنا من أعضاء الفضيين في شركة الطيران التي حجزت فيها، ومن حسن الحظ إنني استطعت مع الأسرة الذهاب لكاونتر الخدمة السريعة، رغم عدم حجزي لرحلتي في درجة رجال الأعمال، وقد كان الكاونتر مليئًا على آخره من كثرة المسافرين لقضاء إجازة الصيف في الخارج. وبعد انتظار طويل، توقفت أمام كاونتر بطاقة صعود الطائرة، قدمت الجوازات على نحو تقليدي، وطلبت مني الآنسة الكريمة التي تعمل خلف الكاونتر أن ترى تأشيرة الدخول إلى دولة تركيا، وأخبرتها بطبيعة الحال أن السعوديين لا يحتاجون إلى تأشيرة دخول، أصرّت، وأصرّيت، وأخبرتها بنبرة الأبوة إنني سافرت مليون مرة إليها قبل أن تباشر هي عملها هنا، ورغم تحفظها وتمسّكها بموقفها لخمس دقائق، مع إصراري المستميت على تأكيد بأن هذه الدولة لا تشترط وجود تأشيرة، قررت الآنسة أن تستسلم من ضغطي، وتطلب وضع الحقائب المخصصة للشحن. وظهر الخابور الكبير!
بدأت بوضع الحقيبة ذات الوزن الأكبر (كانت تزن أقل من ٢١ كيلوجرامًا)، وأخبرتني أن وزنها زائد. نظرت إلى الميزان لأُصدم أن المكتوب فيه كان قرابة الأربع وعشرين كيلوجرامًا! لم أتمالك نفسي، وصرخت مباشرة على زوجتي وبقية الأسرة: «ماذا وضعتم في الحقيبة اليوم صباحًا؟» وأخبروني أنني كُنت آخر من لمسها مساء أمس قبل النوم، لم أقتنع بهذا الكلام في البداية، وطلبت مني الآنسة أن آخذ ركنًا على جنب لكي أعيد تنسيق محتويات هذه الحقيبة مع حقيبة أخرى لكي أوازن الوزن حتى يقل عن الثلاث وعشرين، قررت وضع حقيبة أخرى على الميزان وهي التي كانت آخر شيء قسته البارحة، وأنا متأكد من أنها لم تتجاوز التسع كيلوجرامًا، لأتفاجأ بأن وزنها الظاهر على الشاشة كان قد تجاوز العشر! وقبل وشوكي على الانفعال مرة أخرى، اقترحت عليَ أم سيرين أن أقوم بتجربة ميزان حقائب الكاونتر المجاور، لاعتقادها أن ميزان الآنسة خربان، وطبعًا أن أكف عن الانفعال؛ لأننا كلنا كنا شاهدين على دقة الأوزان ليلة البارحة.
وبالفعل، اكتشفنا أن ميزان الآنسة التي وقفنا عندها كان معطلًا، ويعطي وزنًا زائدًا عن الوزن الحقيقي، وبطبيعة الحال، اقترحت عليها أن ننتقل إلى الكاونتر المجاور لاستكمال الإجراءات، أو على الأقل اعتماد حساباته، التي كانت متوافقة تمامًا مع الأوزان التي حسبتها في البيت.
أخبرتني الآنسة بأنه ليس هناك داعٍ لذلك، وعلينا أن نستكمل عملية إصدار بطاقات الصعود للطائرة، وشحن بقية الأمتعة. وضعت حقيبة أخرى، وظهرت في ميزانها المعطّل أنها تجاوز الثلاث وعشرون كيلوجراماً، لتعود وتخبرنا وكأن ما حصل لها مسحًا مفاجئًا للذاكرة، بأن علي أن أقوم بإعادة توزيع محتويات الحقائب، مما جعلني أنفجر عليها كالمجنون أُخبرها، بأنها رأت بأم عينها أن ميزانها خربان، وعليها الاعتماد على الميزان المجاور، كما كررت حلفاني ست عشرة مرة إنني قست الأوزان بنفسي، وليس هناك حقيبة واحدة تتجاوز الثلاث وعشرين كيلوجراماً من حقائبي، ثم إنَّ هناك نسبة أقل من الذكاء تستدعي التفكير بأن عادة السعوديين في السفر هي جلب الأوزان الكبيرة في العودة، بسبب المشتريات، وليس أوقات الذهاب إلى الخارج، ناهيك عن إنني أمتلك ثلاث تذاكر لبناتي، لا توجد أي حقائب مرتبطة بها، رغم أحقيتي بذلك. بمعنى أن هناك أوزانًا كثيرة لم استغلها في هذه الرحلة.
صُدِمت من إصرار الآنسة أن عليها الالتزام بما هو مكتوب في الميزان، حتى وإن كان خربان. وهذا ما نقلني إلى حالة هيستيريا نادرة من الغضب طالبًا مقابلة المشرف عليهم، متمالكًا نفسي من عدم الشتم حفاظًا على الذوق العام، وحفاظًا على مظهري أمام بناتي، وسط الزحمة والعك الذي عشته في تلك الساعتين.
ظهر المُشرف، فهم الموضوع في ثلاثين ثانية، اعتذر إليَّ وشحن كل الأمتعة، أخبرني أن حرص الإناث في العمل مهما كان مبررًا فإن عليه أن يُحاف ببعض التدريب واستيعاب الصورة الأكبر (هو الذي قال وليس أنا).
تركت المكان وأنا أركض إلى اللاونج محاولًا التقاط ما يمكن التقاطه من وجبة الإفطار قبل الصعود إلى الطائرة.
القصة الثانية:
عملت حجزًا لأسرتي لسفرة قادمة، حاولت إضافة ابني عبد الملك (لم يتجاوز عمره الخمسة أشهر) كرضيع على أحد تذاكرنا، انتظرت على الهاتف قرابة الساعة ما بين الوصول إلى صوت موظف/ة خدمة العملاء وإتمام عملية الإضافة. وعندما ردت الآنسة الكريمة، لم تستطع باختصار أن تقوم بإضافته لأسباب غير معروفة، وقد اقترحت عليَ أن أقوم بإضافته يوم السفر من كاونتر المطار، وعندما أخبرتها أن تكلفة التذكرة وقتها ستكون لهذا الرضيع أربعة أضعاف تكلفتها الآن، أخبرتني أن هذا هو الحل الوحيد. أغلقت الخط، وأعدت الاتصال، وردت عليَ آنسة أخرى، استطاعت أن تضيف ابني على تذكرتي في ثوانٍ معدودة، وأخبرتني أن سبب المشكلة هو عدم كتابة لقبه بدقة مثلما هو مكتوب في لقبي. وافتكينا بحمد الله من معضلة إضافته من كاونتر المطار.
القصة الثالثة:
راقبت في أحد الأيام، إحدى زميلاتي، وهي تتصل على إحدى الشركات اتصالًا كان على ما يبدو ضروريًا للحصول على خدمة ما، وبمجرد سماعها صوت الآنسة على الخط الآخر «كيف أقدر أخدمك؟» وجدتها تغلق الخط، وتعاود الاتصال مرة أخرى، وعندما استفهمت منها، أخبرتني أنها تعيد الاتصال، منتظرة أن يرد عليها رجل بدلًا من آنسة، لأن تكرار الاتصال حتى يرد عليها رجل سيكون أكثر اختصارًا من التفاوض مع الآنسة الكريمة خلف سماعة الهاتف لحل مشكلتها!
الشاهد:
أرى أن حرص النساء مبهر في الالتزام بالقوانين والأنظمة، خصوصًا ما هو مرتبط بخدمة العملاء.
لكنني لاحظت أن كل النساء في محيطي (ولا أبالغ عندما أقول الكل دون استثناء) لا يحبذون التعامل مع أي أُنثى في أي شيء مرتبط بخدمة العملاء، لأنه – وحسب وصفهم - أن الالتزام الحاد بالأنظمة ليس هو ما نحتاج إليه في أزمات خدمة العملاء، بل الاستثناءات.
أختلف معهم طبعًا! لكن أسأل الله أن يهديهن، ويجعلهن متقبّلين للتعامل مع بنات جنسهن.
سنستكمل في جزء ثاني.
النشرة الإخبارية
انضم إلى النشرة الإخبارية لتلقي آخر التحديثات.