تخطى الى المحتوى

أشباه الرجال

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف

مثلي مثل الكثيرين من الرجال المسؤولين، أملك علاقة حب وكره مع «نيتفليكس». أحبهم للقيمة العالية مقابل المال والعديد من برامهجم الرائعة، وعلاقة كُره بسبب أجندة المثليين والابتذال المحشورة حشرًا في مسلسلاتهم.

قبل أيام هبط سعر أسهم نيتفليكس لأدنى مستوياته منذ مدة طويلة، وبالنسبة للأشخاص المهتمين في الاستثمار في «أسهم النمو» فقد يُعد هذا التوقيت توقيتًا تاريخيًا للاستثمار في الشركة، ولكن السؤال هنا: هل الاستثمار في نيتفليكس يعتبر تصرّفًا أخلاقيًا؟ أول ما تبادر إلى ذِهني أنه «لا ليس أخلاقيًا» لاعتبارات كثيرة يعيها القارئ الكريم وعلى رأسهم ما تم ذِكره أعلاه، إلا إنني سألت العديد من الأشخاص حولي لتتفاوت الإجابات بشكلٍ كبير.

هناك توجه واضح من دول الشرق (روسيا والصين بالأخص) على محاربة أجندة الانفتاح غير المسبوقة التي تقودها الثقافة الأميركية (الديموقراطية وليست الجمهورية). أحد أبرز المقالات التي تحدثت عنها كانت المقالة الشهيرة والطويلة بعنوان «وانغ هيونغ، الانتصار والرعب» بقلم «إن. إس. ليونز» والتي أنصح الجميع بقراءتها، فهي تصف اختفاء الممثلة الصينية الأشهر «تشاو وي» ليس من على وجه الكرة الأرضية فحسب، بل من على جميع قنوات البحث على الإنترنت وشارات النهاية في كل الأعمال التي شاركت فيها.

يصف الكاتب تلك الحالة بقوله:

«“تشاو” وزملاؤها غير المحظوظين في صناعة الترفيه، وجدوا أنفسهم عالقين في مسألة أكبر منهم بكثير، موجة مفاجئة من السياسات الحكومية التي قلبت الحياة في الصين، ووصفتها وسائل الإعلام الحكومية بـ (التحول الجذري) للدولة، و يشار لذلك رسمياً كما ذكر الرئيس الصيني “شي جين بينغ” بحملة: (الرخاء المشترك)، هذه الحملة تسير بالتوازي مع حملتين أُخْرَيَيْنِ و هما: حملة تنظيمية واسعة النطاق تعكر جو القطاع الخاص، و حملة أوسع تتعلق بإعادة هندسة الثقافة الصينية أخلاقيًا من أعلى الهرم إلى أسفله».

فأصبح الصينيين (ومثلهم الروس) اليوم لا يريدون العولمة والانفتاح الذي تتحدث عنه الولايات المتحدة، أو على الأقل لا يريدونها لإيمانهم أنها تهدم قيم المجتمع وترفع من قيمة الفرد ليصبح «سلعة» فردية بدلًا من «عضو فعّال له قيمته في المجتمع»..

«فنانون آخرون بدأوا بالاختفاء أيضًا تزامنًا مع إعلان الحكومة الصينية حملة صارمة لفرض نظام يهدف إلى السيطرة على مشاهير الانترنت المبتذلين، الذين يروّجون أنماط الحياة الفاسدة، و إلى حل مشكلة الفوضى التي أنشأتها ثقافة المعجبين على الانترنت؛ هؤلاء الذين يقلدون المظاهر الجمالية الأنثوية للنجوم الذكور في فرق الغناء الكورية، الذين يوصفون بشكل مُلفت للنظر بـ: (xiao xian rou) أو (little fresh meat)، -وهو مصطلح صيني يشير إلى النجوم الصغار الذكور الوسيمين- هم الفئة التالية على القائمة بعدما قطعت الحكومة عهداً على نفسها بأن تضع حدًّا للرجال المخنّثين و ظهورهم على شاشات الشبّان سريعي التأثر بما يرون».

هذه الموجة تزداد حِدتها في الإعلام الأمريكي، وتزداد أكثر في قنوات التواصل الاجتماعي والتي أرى شخصيًا أنها أصبحت تزرع يومًا بعد يوم المزيد من «الفردانية» لدى المجتمع على غِرار «كُن ناجحًا» و«اطرد المسمومين من حياتك حتى وإن كانوا من القريبين».

التحدي الأكبر الذي يواجه كل من هو خارج دائرة الأميركيين أنهم مهما حاولوا من جهود، سوف يكون من الصعب عليهم جدًا أن يُبارزوا إعلامًا خارقًا محنكًا ومسلّح بآلات شديدة النعومة في قدرتها على اختراق مجتمعاتنا (مثل نيتفليكس).

وهنا لا يجب أن نحاول المقاومة؛ عوضًا عن الاكتفاء بالذات والدائرة الصغيرة المغلقة حولنا، ومحاولة كبح جماح موجة الدلال والحساسية التي نعيشها مع هذا الفضاء، أو كما يقُول أحد أصدقائي متهكّمًا «نسبة النساء أصبحت أكثر بكثير في هذا العالم من الرجال» ولا يقصد طبعًا امتعاضه من الكثرة قدر خوفه من «أن النساء يبحثون عن رجال حقيقيين في نهاية المطاف، وليس الأشباه» لكي يستمر ناموس الحياة.

«الأمريكان بحسب رأي [وانغ هيونج، مهندس الثقافة الصينية المعاصرة]، يعلمون أنهم يواجهون «مشاكل اجتماعية وثقافية معقدة [فإنهم] يميلون إلى الاعتقاد بأنها مشاكل علمية وتكنولوجية»؛ ليتمكنوا من حلها بشكل منفصل. لكن ذلك لن يقودهم للوصل إلى الحل؛ لأن مشاكلهم كلها مترابطة تمامًا وتشترك في نفس الأسباب الجذرية وهي: الفردانية، والعدمية والراديكالية في قلب الليبرالية الأمريكية الحديثة.»

إذًا هل الحل العملي أن يكون نيتفليكس خارج المنزل؟ ناهيك عن سؤالي الساذج بداية المقال على الاستثمار فيه؟ وماذا عن انستجرام؟ ديزني؟ وغيرهم. يتبنى الصينيون العُنف في طرد المبتذلين من حياتهم.

ولا يمكن لي كرجل مسؤول تخيُل حل آخر سوى تعبئة خزّان القيمة والترابط والقيّم حتى لا يتسع المجال للمزيد من الميل للشواذ.

وحتى وصولي إلى ذلك الحل الجذري، سأكتفي بترديد: كان الله في عون الجميع.

شؤون اجتماعية

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

اقتراحات يوليو ٢٠٢٤م: بودكاست وكُتب وأماكن

كان من المثير للدهشة بالنسبة إلي، أن اقتراحات يونيو ٢٠٢٤م قد لاقت تفاعلًا من القريبين أكثر من القرّاء، وهذا أمرٌ لطيف في الحقيقة، لكيلا يشعر المُقترِح أنه «يكلم جدار» مع اقتراحاته. عمومًا، لا يمكن أن أُعطي اقتراحات خارجية، قبل أن أحصل على شيء من

اقتراحات يوليو ٢٠٢٤م: بودكاست وكُتب وأماكن
للأعضاء عام

لماذا تطرد برشلونة سُيّاحها؟ (الموضوع أعقد مما نتصور)

ربما يكون أحيانًا تغيُر نمط حياتهم البسيطة بشكلٍ جذري سببًا كافيًا لعدم تحمّل الضيوف!

لماذا تطرد برشلونة سُيّاحها؟ (الموضوع أعقد مما نتصور)
للأعضاء عام

قصة الحادث الذي لم يغيّر حياتي - الجزء الأول

تريدون قصة؟ سأحكي لكم واحدة. كُنت أدرس في المرحلة الثانوية عام ٢٠٠٤م. اتصلت على أحد الأصدقاء (الذين تخرّجوا)، واتفقت معه أن يمر عليَ صباح اليوم التالي ليقلّني من البيت بسيارته في تمام الساعة السابعة صباحًا، في الفترة التي كان فيها معظم من في سني لا يملكون

قصة الحادث الذي لم يغيّر حياتي - الجزء الأول