أونكل جاك – الجزء الثالث: مقالة ساخرة
(هذه السلسلة مستوحاة من أحداث حقيقية، وهنا الجزء الأول والجزء الثاني منها).
حُسن النية لا يُبرر سوء التصرّف، كما قال لي أحد الحكماء في حياتي. وبالنسبة لصديقي، فقد كان حَسن النية في كل تصرّفاته منذ أن قرر زيارة أونكل جاك ونسبائه في لندن مع زوجته.
عندما تهشّمت سيارة الإيجار مرتين بسبب الشجرة التي وقعت عليها والاصطدام وجهًا لوجه مع سيارة أخرى بالقيادة داخل الدوار في الاتجاه المعاكس، توقع الجميع بما فيهم الوقور أونكل جاك بأن ما حدث كان حظًا عاثرًا ونقصًا في خبرة القيادة عكس المسار التقليدي، وهذا ما شجع الأسرة للتحمّس بالسفر وتمضية ما تبقى من الإجازة خارج لندن، وتحديدًا في مدينة باريس التي تملك مع لندن خطًا مباشرًا بالقطار.
قبل زيارة باريس بأيام، اقترح أحد أفراد الأسرة حضور حفلًا غنائي يُقام في إحدى ضواحي لندن، وبالطبع لم تكن فكرة الذهاب لتلك المدينة باستخدام القِطار مطروحة، لأن صديقي كان قد تسلم سيارته الثالثة مدفوعة الإيجار، ومن الأجدى للجميع استخدامها بدلًا من الخسائر غير المبررة بشراء تذاكر القطار، وبالفعل التم شباب الأسرة داخل سيارة مع صديقي وزوجته وتوجّهوا (متأخرين) إلى مقر الحفلة.
تأخرهم تسبب في عدم قدرتهم على إيجاد موقف للسيارة. صرفوا عدة دقائق يبحثون عن موقف ملائم، ولكن دون جدوى. توجّهت أنظار صديقي إلى مواقف ذوي الاحتياجات الخاصة، لتنظر إليه زوجته وأحد نسبائه هازين رأسهم رافضين الفكرة التي تدور في ذهنه. حاول إقناعهم بأن هذا الموقف قد يكون مخالفًا صحيح.. إلا أن قيمة المخالفة قد تُحتمل كمصروف إضافي يغنيهم عن المزيد من اللفلفة والبحث، وكأن لسان حاله يقول «قيمة المخالفة بمثابة دفع تكاليف صف السيارة».
اقتنع الجميع، وقرروا إيقاف السيارة في موقف ذوي الهِمم للحاق بما تبقى من الحفلة. توقعوا طبعًا وجود ورقة مخالفة عند عودتهم، ليسددوها بالمشاركة كما تم الاتفاق.
انتهت الحفلة.. كانت رائعة، تناولوا العشاء في مكانٍ قريب المسرح، ثم اتجهوا إلى المواقف، لكنهم لم يجدوا ورقة المخالفة فوق زجاج السيارة. لأنهم لم يجدوا السيارة أصلًا!
صُرفت قرابة الساعة وهم يسألون يمينًا وشمالًا عنها وعن قسم الأمن وإدارة المواقف، وبالطبع موضوع سحب السيارة لم يكن على خريطة تفكيرهم هم فحسب، بل لم يواجه فريق عمل إدارة المواقف سحبًا للسيارة بسبب مخالفة صريحة ومباشرة مثلما فعل صديقي وأرحامه منذ فترة طويلة؛ ولذا كانت مهمة إيجاد رقم تواصل للشركة أو الجهة التي سحبت السيارة أمرًا بالغ الصعوبة.
وتم الاتصال على أونكل جاك، الذي اعتقد أنه بعدم انضمامه مع الشباب للذهاب إلى الحفلة كان قد افتك من شرّهم. اضطر للقيام بحزمة اتصالات وهو في منزله على من يعرفهم في تلك المدينة حتى توصلوا إلى الجهة التي قامت بسحب السيارة، وأخيرًا استلموها بعد أن وقع صديقي على شيء أشبه ما يكون بتعهد، ودفع قيمة مخالفة كبيرة لم تكن توازي المعاناة، مع الحصول على قسط من التوبيخ من المسؤولين هناك وأونكل جاك عن هذا التصرّف. وأخذوا السيارة بسلام وعادوا إلى المنزل.
بالنسبة لرحلة فرنسا فقد شهدت الخاتمة المسكية لهذه الإقامة. فقد اجتمعت الأسرة وتوجّهوا إلى محطة القِطار. طبعوا التذاكر قبلها (أونلاين) إلى باريس، وركبوا القطار ووصلوا إلى هناك.
مضت نهاية الأسبوع على خير، وكان اختيار الرحلة موفقًا جدًا، فالأجواء في باريس رائعة، بل ولم يكن يتخيل أحد أفراد الأسرة أن يكون خيار الذهاب إليها خيارًا جميلًا إلى هذا الحد.
ثم استقل الجميع قِطار العودة إلى لندن، وأثناء الخروج من القِطار حدثت المصيبة الأكبر.
«كيف تذهب إلى باريس وتعود منها وأنت لا تحمل سوى تأشيرة بريطانيا في جوازك؟» وجه الضابط سؤاله إلى صديقي الذي نسي أمر التأشيرة تمامًا، فنسبائه الإنجليز لا يحتاجون لها، وكونه الأجنبي الوحيد فقد كان لزامًا عليه الحصول على تأشيرة «شينجن» مع تأشيرة بريطانيا، ولسببٍ ما لم يُفتشه أحدهم في قطاري الذهاب والعودة.
اضطرت السلطات لكلبشة صديقي الذي خالف النظام مخالفة عنيفة، تستدعي الآن تدخلًا دبلوماسي عالي المستوى. قاموا الانجليز بجلسة تحقيق مطوّلة معه، وكانوا على وشك طلب تدخل من السفارتين السعودية والفرنسية لتبرير هذه الزيارة. حتى ظهر مرة أخرى أونكل جاك.
أخذ زمام التفاوض مع السلطات الإنجليزية، كانت محاولة استرحامه على أشدّها، وطلب منهم أي ورقة أو تعهد أو إجراء يمكن له أن يقوم به بدلًا من إقحام السفارات في الموضوع أو سجن صديقي. وبالفعل وعلى ما يبدو، أن أونكل جاك الضابط الوقور كان يحمل تقديرًا وعلاقات ممتازة كان قد ادخرها خلال خمسين عامًا قبل أن يظهر له صديقي الذي استنزف نصفها خلال هذه الشهرين.
وانتهى أمر زيارة باريس أخيرًا على خير بشق الأنفس.
وفي طريق العودة إلى المنزل، التفت أونكل جاك لابنته بالتعميد ليسألها: «قلت لي متى موعد عودتكم للوطن؟»، لتجيبه وهي ضاحكة، وصديقي جالس متفرجًا عليهم في المقعد الخلفي/
عاد صديقي مع زوجته بسلام إلى مدينة جدة. وكان أكبر خبر مؤسف للجميع وهو وفاة أونكل جاك بعد أشهر قليل بعدها. لتبقى هذه الرحلة في أذهان من عاصروها، وليحكي عنها كاتب هذه السطور أحباءه القراء.
النشرة الإخبارية
انضم إلى النشرة الإخبارية لتلقي آخر التحديثات.