تخطى الى المحتوى

التعليق على رأي نوال السعداوي تجاه الشرف

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف

شاهدت مقطعًا متداول مؤخرًا للراحلة الدكتورة نوال السعداوي، تتحدّث فيه عن مفهوم الشرف، ولا يُمكن له أن يُربط «بقطرة الدم» وإبعاده عن «القيم الأخلاقية». (رابط المقطع).

وكوني لا أُحبِّذ الرد على أشخاص توفاهم الله لاعتبارات كثيرة، أحدها أن هذه الشخصيات إن كانت تملك الرغبة للتعليق، فهي لا تستطيع، لأن نفسهم ذهبت لأرحم الراحمين. إلا إنني قررت اليوم تسجيل موقفي، لاعتبارات أخرى، ترتبط بمن سوّقوا للمقطع ونشروه ومن آمنوا بالفكرة مما دفعهم لإعادة النشر، وأيضًا، محاولة إعطاء الفكرة المطروحة سياقًا موضوعيًا، بعيدًا عن التشخيص والتجريح.

لا أملك موقفًا شخصي مع أو ضد الراحلة، إلا إنني أملك بطبيعة الحال موقفًا تجاه الفكرة.

وهنا تعليقات دوّنتها قبل شهر، ولم أنشرها، عندما شاهدت المقطع المتداول عند أكثر من حساب.

والله من وراء القصد.


التعليق على مقطع نوال السعداوي:

٢٩ مارس ٢٠٢٤م.

 أتفق واختلف في حزمة من النقاط:

1. أتفق: أن الشرف بالطبع لا يملك صفات عضوية (بيولوجية)، وأختلف: حول فكرة القفز لمفهوم الشرف وربطه بقطرة دم، فهذا أمرٌ غير دقيق. ومما لا شك فيه أن الشرف مفهوم أخلاقي نِسبي يتأثر بالبيئة والأعراف … إلخ، فكما هو مرتبط بقطرات الدم في مجتمعات، نرى في مجتمعات أخرى الشرف مرتبط بحسن السلوك، ومكارم الأخلاق، والصراط المستقيم، ولا أنفي أن الجانب البيولوجي مجرّد رمز لشيء آخر أخلاقي سامي.

2. لازلت على رأي قديم، أن أي إقصاء لرمزية دينية (إسلامية وغير إسلامية) فيه نوع من الكسل، بل قد يصل للتطرّف! فليس عدلًا أن يقول شخص غير مسلم مثلًا: «أن المسلمين أغبياء لأنهم يدورون حول مكعّب أسود». فنحن كمسلمين، نمارس هذه الشعيرة بناءً على خلفية دينية، وإيمانًا عميقاً بديننا واستشعارًا لتأثيرها على النفس والرُوح، ولا يمكن اختزال ذلك في عيون غير المسلمين بأنه عمل فيزيائي محض (لف حول الكعبة). كما أنه ليس من الخُلق أن يطلق المسلم على غير المسلم نفس النوع من الأحكام، الموضوع أعمق طبعًا!

3. لا أستطيع أن أقول أن «الحجاب» ضد «الشرف» في غرفة مليئة بالمتحجّبات، أو في مجتمع إسلامي، أو مجتمع محافظ عمومًا؛ فهذا نوع من الإقصاء الذي أخشى أن يكون فيه أيضًا الكثير من التكاسُل في البحث عن السياق، فالسياق ملك الموقف! ورمزية الحجاب في الإسلام – في رأيي – ليست لغطاء الرأس بشكلٍ مجرّد. بل هو رمز «للحشمة أمام العوام لدفع الأذى المجتمعي»، وكما أن لكل مقام مقال، أجد أن ذلك ينسحب على الملبس أيضاً؛ فالذكر – ليس كالأنثى – من ناحية التأثُّر العضوي بالنظر إلى امرأة متكشّفة، فيظهر لي أن الذكر كائن بصري أكثر من الأنثى بشكل عام، بينما أجد المرأة تتأثر بما تسمع أكثر من الذكر، ولذلك وُجِد مفهوم الحشمة، وارتبط بالدين للحفاظ على النسيج الاجتماعي، من الاختلالات في التواصل.

4. تاريخيًا: قطرة الدم تعتبر رمزية لنقاء الأنثى من أيّ علاقات (جسدية) سابقة، وهذا أمرٌ لا طالما بحث عنه الرجل (في معظم الحضارات والديانات) عند المرأة. والسبب خلفه في الحقيقة، عضوي بحت: لأن المرأة الواحدة إن تم تلقيحها، فإن حياتها ستتغير إلى الأبد، ولا يحبذ الرجل (إن أتيح له الخَيار) أن يرتبط بامرأة تم تلقيحها من قِبل رجل/رجال آخر/آخرين، والعكس ليس صحيح.. فرغم ذلك، (في كثير من الأديان والحضارات) قد لا تُمانع المرأة الارتباط برجل قام بتلقيح عدة إناث أخريات قبلها.

5. بالطبع الذكر لا يملك غشاء بكارة، لكنه سيكون «رجلًا» بمفهوم الرجولة كما وصفه المرحوم غازي القصيبي: إن تحمّل المسؤولية، ووقف على مصالحه ومصالح عمله وأصدقائه، وأسرته، ومجتمعه، ووطنه. وربما يتقاطع هنا وصف الرجل «الشريف» بالصفات المذكورة وهي «الرجولة».

أخشى أن خلط السيدة نوال بالمفاهيم أضر أكثر مما نفع.

والله أعلم.


شكرًا لأخي وصديقي عُمر وليد عاشور، الذي أثرى هذه المقالة بتحريره وتصرّفه في كثير من الأجزاء.

شؤون اجتماعية

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

اقتراحات يوليو ٢٠٢٤م: بودكاست وكُتب وأماكن

كان من المثير للدهشة بالنسبة إلي، أن اقتراحات يونيو ٢٠٢٤م قد لاقت تفاعلًا من القريبين أكثر من القرّاء، وهذا أمرٌ لطيف في الحقيقة، لكيلا يشعر المُقترِح أنه «يكلم جدار» مع اقتراحاته. عمومًا، لا يمكن أن أُعطي اقتراحات خارجية، قبل أن أحصل على شيء من

اقتراحات يوليو ٢٠٢٤م: بودكاست وكُتب وأماكن
للأعضاء عام

لماذا تطرد برشلونة سُيّاحها؟ (الموضوع أعقد مما نتصور)

ربما يكون أحيانًا تغيُر نمط حياتهم البسيطة بشكلٍ جذري سببًا كافيًا لعدم تحمّل الضيوف!

لماذا تطرد برشلونة سُيّاحها؟ (الموضوع أعقد مما نتصور)
للأعضاء عام

قصة الحادث الذي لم يغيّر حياتي - الجزء الأول

تريدون قصة؟ سأحكي لكم واحدة. كُنت أدرس في المرحلة الثانوية عام ٢٠٠٤م. اتصلت على أحد الأصدقاء (الذين تخرّجوا)، واتفقت معه أن يمر عليَ صباح اليوم التالي ليقلّني من البيت بسيارته في تمام الساعة السابعة صباحًا، في الفترة التي كان فيها معظم من في سني لا يملكون

قصة الحادث الذي لم يغيّر حياتي - الجزء الأول