تخطى الى المحتوى

العزلة غير المتوقعة

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف
2 دقائق قراءة

لم أقض يومًا في حياتي دون مشاهدة العديد من الأشخاص خلاله. هكذا الحال منذ أن عرفت نفسي، لا أعيش من دون درجات مختلفة من المقرّبين. الأهل، الزملاء والأصدقاء، يزاحمون ساعاتي اليومية مثلما يزاحمني الجوال. إلا أن هناك شيءٌ ما قد تغيّر.

أكتب هذه المقالة وأنا جالسٌ لوحدي في منزلي في اسطنبول بعد أن قضيت اليوم بطوله لا رغبة لي بالتحرّك منه سوى لزيارة سريعة للسوبر ماركت لتلبية طلبات إخوتي، واستقبال سريع لفني الإنترنت. اقترب قليلًا من رغبة قضاء ما تبقى من أيام زيارتي لهذه المدينة الجميلة، والمفترض بها أن تكون بغرض تصحيح بعض الأوراق المرتبطة بعائلتي، لتكون خيارًا جزئيًا وجريئًا للعزلة (طبعًا في حال لم يقرر أحدٌ من أصدقائي المحبين زيارتي عمّا قريب).

في الحقيقة هذه من المرات القليلة التي لا أعرف لماذا أكتب فيها مثل هذه الكلمات، ولا أعرف لماذا أشارك القارئ اللطيف كواليس هذا التغيُر الطارئ على شخصيتي التي تستمد قوتها وطاقتها وفرحها من زحمة الآخرين في الجوار.

اعتقدت أن الناس مع اقترابهم لعُمرٍ معين (الأربعين ربما) يميلون لأنفسهم أكثر من ميلهم لمن حولهم، ولا أعرف إن كان هذا الأمر إيجابيًا أم سلبيًا، لأنني من فئة الناس التي تؤمن أن لا حياة دون أحبة، ولا حياة دون من نشاركهم أحزاننا وأفراحنا، فلا مال يغني عنهم، ولا ممتلكات تواسي بالنيابة. إلا أن فكرة العُزلة ومحاولة استحضار البساطة – كما تحدّثت في مقالات عديدة سابقة – أفكار لا تود أن تفارق عقلي.

قمت بشراء مؤونة عدة أيام لكيلا أحتاج للخروج والأكل في المطاعم، هكذا هو الحال الآن. أصبحت اليوم تلك الشخصية التي كنت أتهكم عليها طيلة حياتي، يريد البقاء مؤقتًا بمفرده أمام لوحة المفاتيح والكتاب ومسلسله التافه. ولا أخفي سر تعجّبي من هذه الرغبة الجامحة التي تعمل عكس ما أُريد لنفسي، وعكس ما كُنت طيلة حياتي.

أُعزّي نفسي بأن حالة العُزلة إن كانت اختيارية ومؤقتة، فهي بالتأكيد ليست نوعًا من أنواع الوحدة التي تأكل في الإنسان مثلما تأكل النار الهشيم. وقد اقترِب قليلًا من فكرة كونها أمرًا صحيًا إن لم تخرج عن حد التوازن، ليعود الإنسان على طبيعته بعدها، خصوصًا إن كان مزدحمًا بمن يحب.

سيكلوجيا الإنسان

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

لا يسأل المدربين لاعبيهم: ما الذي تشعرون به؟

هل يكون التعبير المفرط عن المشاعر واليقين بسوء النفسية (خصوصًا لدى اليافعين) مفيد، بنفس القدر الذي يجب فيه أن يحاولوا أن يتجاهلوه بالانسجام مع مسؤوليات حياتهم اليومية؟ لا نجد في عالم الرياضات التنافسية أن المدربين حريصين على استكشاف مشاعر متدربيهم بنفس القدر على حِرصهم لإنجاز جلسة التدريب التالية،

لا يسأل المدربين لاعبيهم: ما الذي تشعرون به؟
للأعضاء عام

لا يسأل الأطفال عن معنى هذه الحياة

«ما الذي يجعل الحياة جديرة بأن تعاش؟ لا يوجد طفل يسأل نفسه هذا السؤال. بالنسبة إلى الأطفال، الحياة واضحة بذاتها. الحياة غنيّة عن الوصف: سواء كانت جيدة أو سيئة، لا فرق. وذلك لأن الأطفال لا يرون العالم، ولا يلاحظونه، ولا يتأملون فيه، ولكنهم منغمسون بعمق في العالم لدرجة أنهم

لا يسأل الأطفال عن معنى هذه الحياة
للأعضاء عام

مكان الغرباء والأحلام خلف الجميع

في عام الكورونا، زرت هذا المكان أكثر من أربع عشرة مرة. لا أحد أعرفه زاره بنفس القدر.

مكان الغرباء والأحلام خلف الجميع