تخطى الى المحتوى

اللهم إني صائم - الجزء الأول

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف

من المفارقات العجيبة في عالمنا العربي أن «الشرموط» هي أكلة سودانية شهيرة تُطلق على نوع من اللحوم أشبه ما تكون بالـ Beef Jerky، وهي عبارة عن لحم مجفف إما من خلال أشعة الشمس، أو الأفران، أو الشواء، أو بطُرق أخرى، في حين أن كلمة «شكشوكة» تحمل نفسى المعنى الذي كان في ذِهن القارئ الكريم مع الكلمة الأولى؛ عند نفس الإخوة السودانيين.

في إحدى الرحلات الصباحية إلى الخرطوم، كان صديقي مُضيفًا جويًا عليها، وعندما حان موعد توزيع وجبة الإفطار على رُكاب الطائرة التي كانت ممتلئة على آخرها، أخذ بالطريقة المعتادة عربة الأكل وباشر -بدافع السرعة- بسؤال الركّاب سؤالًا سريع «تحب تفطر إيش؟» ولتجنّب الأخذ والرد مع الرُكاب، ركّز بعدها على إعطائهم الخيارات المتاحة لديه والتي كانت عبارة عن «فول» و«شكشوكة».

أصبح يقف عند كل مسافر ويسأله في جزء من الثانية: «فول ولا شكشوكة؟» وبالطبع اختار معظمهم الفول تجنبًا للفتنة، وعندما وصل إلى سيدة سودانية كبيرة في السن مع وصول نيته بتصريف الفائض من صحون الشكشوكة، توقف ونظر إليها وقال: «شكلك شكشوكة!» لم تستوعب السيدة السودانية الفاضلة ماذا سمعت، لتطلب أن يعيد ما قاله «إن كان رجّال» ..

«شكشوووكة إنتي شكشوكة.. صح؟» لتقوم المرأة من مكانها وتصُب حمم بركانية من الغضب والصريخ على صديقنا، ليقوم هو الآخر بردة فِعل عنيفة وهو ينظر إلى الركّاب الآخرين وزملائه ممتعضًا بأن «هذه الأدمية أقول لها شكشوكة وتزعق عليا، إيش الكلام الفاضي وقلة الأدب؟» مع نظرات ازدراء واستغراب من بقية الركاب له، وحيث قام أحدهم وطلب منه «أن يستحي على وجهه» دون أن يفهم ماذا يحدث وتضيع الطاسة. إلا إنه قرر المشي وخدمة الزحام المتبقي لنهاية الطائرة كنوع من الحِلم والحفاظ على الرِزق.

تركهم وهو يستمع إلى صريخ المرأة خلفه وبعض الرجال الذين اتهموه بنقص الحياء والتربية، وهو يخبر نفسه «والله ناس عجيبين.. أخدمها وأعطيها فطورها وأتهزأ!».

استوعب الصديق بعد وقتً طويل المعنى الحقيقي للكلمة، إلا إنه أخذ نصيبًا لا بأس به من الدعاء عليه وشتائم في السر.

هذه الكلمة على غِرار كلمة خليجية كثيرة التداول وهي «طرّشلي» أي «إرسل لي» وهي تحمل معنى «الإرجاع» أعزّكم الله عند الحجازيين، وقد حصل أكثر من مرة أن يُطلب من أصدقائي البحرينيين أو الإماراتيين أو الكويتيين أن يتوقفوا بكل ود عن استخدمات هذه الكلمة في التواصل أو في الاجتماعات من شدة تأثيرها على مخيلة الباقيين من أهل الغربية، ليمارسوا بدورهم نوعًا من الـ (Code Switching) بالانتقال من لغة للغة أو لهجة للهجة أخرى تجنبًا لإحراجهم. إحدى الآنسات الحساسات، كانت قد قاطعت اجتماعًا وذهبت إلي دورة المياه لاعتقادها أنها «ستُطرّش» لهم حرفيًا من كثرة سماعها للكلمة التي لعبت دورًا كبير في مخيلتها، بعد أن اتفقوا المجتمعين على إرسال الأرقام والمواقع لبعضهم البعض مع نهاية اللقاء.

ربما يستحق أن ننتبه لبعض هذه المفارقات، وأن نتجنب مثلًا قول «الله يعطيك العافية» للإخوة من المغرب العربي، كيلا يتكرر موقف السيدة السودانية معنا.

شؤون اجتماعية

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

اقتراحات يوليو ٢٠٢٤م: بودكاست وكُتب وأماكن

كان من المثير للدهشة بالنسبة إلي، أن اقتراحات يونيو ٢٠٢٤م قد لاقت تفاعلًا من القريبين أكثر من القرّاء، وهذا أمرٌ لطيف في الحقيقة، لكيلا يشعر المُقترِح أنه «يكلم جدار» مع اقتراحاته. عمومًا، لا يمكن أن أُعطي اقتراحات خارجية، قبل أن أحصل على شيء من

اقتراحات يوليو ٢٠٢٤م: بودكاست وكُتب وأماكن
للأعضاء عام

لماذا تطرد برشلونة سُيّاحها؟ (الموضوع أعقد مما نتصور)

ربما يكون أحيانًا تغيُر نمط حياتهم البسيطة بشكلٍ جذري سببًا كافيًا لعدم تحمّل الضيوف!

لماذا تطرد برشلونة سُيّاحها؟ (الموضوع أعقد مما نتصور)
للأعضاء عام

قصة الحادث الذي لم يغيّر حياتي - الجزء الأول

تريدون قصة؟ سأحكي لكم واحدة. كُنت أدرس في المرحلة الثانوية عام ٢٠٠٤م. اتصلت على أحد الأصدقاء (الذين تخرّجوا)، واتفقت معه أن يمر عليَ صباح اليوم التالي ليقلّني من البيت بسيارته في تمام الساعة السابعة صباحًا، في الفترة التي كان فيها معظم من في سني لا يملكون

قصة الحادث الذي لم يغيّر حياتي - الجزء الأول