المصلحة ليست أمرًا سلبيًا على كل حال
اعتراف سريع اليوم.. كلما وددت الكتابة أكثر، كلما صعُبت المهمة.
بعضُ المخاوف تأتي في الجزء الخلفي من العقل تجاه حُكم القراء الأفاضل، وهذا ما يجعل مهمة اختيار الفكرة التالية للكتابة ليست أمرًا لطيفًا. وبصراحة، لا يستثير عقلي إلا بعض المواضيع التي – على ما أعتقد –لا تتناسب مع ذائقة بعض القُرّاء الكِرام.
كانت إحدى تأملاتي وأنا أستمع لحلقة Lex Fridman على البودكاست مع ضيفه رجل الاستخبارات الأمريكي المستقيل، عن تقديم كل المجتمعات السياسية مصالحها قبل مصالح الآخرين. فقد ذكر مثلًا: أن المساعدات التي تُعطيها الولايات المتحدة لأوكرانيا في حرب هذه الأيام، ببساطة «ليست مجانًا» وبالتأكيد ليست بدافع إنساني. هي في النهاية ديون على عاتق الأوكرانيين (الراغبين بشدة للحصول على هذا الدين) والتي تظهر لنا في الإعلام على أنها مساعدات.
عمومًا المساعدات تأتي على شكل ديون في حياتنا؛ أليس كذلك؟
في نفس المقابلة، ذكر الضيف أن وقوف الولايات المتحدة مع البريطانيين في الحرب العالمية الثانية، كان قد كلف البريطانيين أقساطًا تم الانتهاء منها عام ٢٠٢٠م. تخيلوا ثمانين عامًا في سداد الديون! قد يكون هذا الأمر مثيرًا للدهشة، إلا إنه في واقع الأمر نوع تقليدي من تبادل المصالح بين الدول. وهو بالطبع ليس عيبًا.
عندما كُنت في إسطنبول في إجازتي الأسابيع الماضية، قام أحد الأصدقاء الأتراك الذين عاشوا في المملكة لفترة طويلة بخدمتي في أمرٍ ما مع إحدى الجهات. وكنوع من التقدير، رتبتُ مبلغًا من المال لأعطيه إياه، إلا إنه رفضه رفضًا قاطعًا. كانت ردة الفِعل غير متوقعة بالنسبة لي.
هذا الصديق كان على معرفة وطيدة بإخوتي منذ عشر سنوات بسبب عمله في قطاع السياحة (وأنا لم أكن أعرف عنه أي شيء، سوى سماعي لاسمه)، وقد حكت لي أختي أنها قامت سابقًا بإغراقه بالزبائن، مما جعله شديد الامتنان لها وللعائلة، وقد كان تفضّله بمساعدتي (ربما) من باب رد الجميل، أو ربما لمعرفته الأكيدة بطيبة وكرم السعوديين الذي لا يحرصون على التعامل مع الآخرين من باب المصلحة المجردة، بقدر حرصهم من ناحية أخرى على الحصول على علاقة إنسانية تربطهم مع أصحاب المصلحة. فيتحول العميل عندنا إلى صديق، والمورد إلى أخ، والزميل إلى عضو فعّال في بشكة البلوت.
مع عدم استيعابي لرفض الهدية.. قمت تلقائيًا بمحاولة تحمل مسؤولية هذا الجميل، لأجلب له خلال ساعات زبونين مرتقبين له. فقد فكّرت في النهاية – مع طيب الخاطر – أنه لا يود أن يخدمني هكذا ببساطة، حتى رغم وجود الأجر من الله. فالمصلحة تظل المحرك والحافز، ولا مانع من بعض اللُطف الحقيقي مع المصلحة.
وبواقعية.. لا أجد أي عيبٍ في المفهوم السلبي السائد (بأن العلاقات تُبنى على المصالح). فلا أعلم كيف يمكن سيكون شكل الحياة التي لا يكون فيها مصالح واضحة ومشتركة ويمكن قياسها بشكلٍ ما.
كان الله في عون الجميع.
النشرة الإخبارية
انضم إلى النشرة الإخبارية لتلقي آخر التحديثات.