تخطى الى المحتوى

المقالة ٧٠٧: وما يحتاجه الإنسان معها!

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف
2 دقائق قراءة

كل يوم أُخبر نفسي أن اليوم سيكون أسهل في إنجاز الألف كلمة التي يجب عليَ إنجازها، أنظر إلى شاشة الكمبيوتر استغفر ربي على الذنب الذي ارتكبته باختياري لهذه الحِرفة، وأحاول أن أتناسى أنها أصبحت أصعب من البارحة، وأصعب بكثير من اليوم الذي أخبرت نفسي إنني أكتب من أجل التسلية أو إنني كاتب مغمور لن يركز مع تخبيصي أحد!

ولا زلت أكثر مما مضى أؤمن أن التركيز في الجهود أهم من التركيز على النتائج.

لا يعلم كاتب هذه السطور أن جائزة الكاتب السعودي ستأتيه بعد أن تجاوز كتابة المقالة رقم «٦٠٠» وأربع كُتب، وبالطبع لم يكن هناك تخطيط لها.

أقول لمن حولي إنني اخترت حِرفة الكتابة لأنها «الأرخص والأسهل» للتعبير المنتظم عن الأفكار والمشاعر، فليس هناك ألوان وفرش ولوحات، ولا أحتاج إلى عود أو كمان أو مطبخ وبهارات. كل ما أحتاجه هو جهاز الكمبيوتر والقليل من الهِمّة، أو كما أُصوِر لنفسي دائمًا! «ليس هناك ما يُكتب، أنت فقط تجلس على الآلة الكاتبة.. وتنزف» كما يقول هيمنجوي، أو كما استوعبت.

ولهذا أحترم كثيرًا وأهيم في كل مخلصٍ لفنه ومنضبط في عمله رغم عدم وجود خريطة أو إرشادات في طريقه.

لولا الكتابة لربما كُنت شخصًا آخر يغرق كل يوم في ظلام نفسه وعُتمة الأفكار.

ولولا أن هناك أشخاص كريمين بوقتهم يقرؤون.. لاهتزت الأنا وضاعت مع اهتزازها عزة النفس وإحساسها بأن شيءً ما ينقص هذه الحياة.

أود أن أعترف أن كل يوم تزداد الحِرفة صعوبة.. كل يوم.. وهذا شيء مزعج في الحقيقة.

إلا أن شيءً ما يظهر لي ويعطيني صفعة تقودني إلى طريق آخر، أعتبره طريق الصراع بين الحب والغضب والاستغفار من الذنب.. ثم بعض الشتم والسِباب العشوائي كل صباح.

إن قصّرت قليلًا أشعر بالذنب.. وإن كتبت كثيرًا أشعر بالذنب لأنني أملك عائلة وعمل يحتاج إلى انتباه. وإن استيقظت متأخرًا أشعر بالذنب.. وإن استيقظت مبكرًا جدًا أشعر بالذنب أيضًا لأنني لم أعط هذه النفس حقها من النوم.

أود أن أعترف أن كل رسالة أو اتصال من إنسان عزيز يقابله نوع سخيف من التأنيب الذي يخبرني إنني قصّرت في الالتزام بعدد الكلمات المطلوب مني اليوم؛ فكيف أكافئ نفسي بالخروج لمقابلته؟

لا تريد صفحة «الورد» أن تتركني وشأني. ولا يرغبون بناتي الأطفال بالاقتناع أن والدهم يحاول إخبار الآخرين بشيء صباح كل يوم، مثلهم زملائي في المكتب، عندما أضع علامة «عدم الإزعاج» على باب غرفتي، ليقتحموها ويسألوني عن شيء مهم حقًا: «تغديت؟»

لتنقطع مع سيرة الشاورما كل حبال الأفكار أو تختفي تمامًا بِذِكر المطعم الهندي خلف مكتبنا الذي طلبوا منه.

كل من حولي مذنبون لأنني أنا -من اختار الكتابة- لم أكتب!

هذه الحِرفة ترتبط بالإحساس بالذنب وبس.

كل شيء يؤثر ما شاء الله على هذه المهنة النبيلة. كل شاردة وواردة ترتبط بالكتابة، حتى القصص السخيفة والمواقف اليومية، واللحظات الغبية التي يقاطعها أصدقائي بسؤالهم المعتاد «إن شاء الله ناوي تكتب اللي حصل في مقالة؟» لأعِدهم إنني سأتناسى، وأنسى، لأن كل شيء فجأة يزاحم الكلمات!

واليوم في مقالتي السبعمئة بعد السابعة، أهدي القارئ الكريم المزيد من الحب والتقدير.. وأجدد العهد معه بإخباره أن الكاتب وكتاباته لا شيء دونه. أدام الله ظِله.

وبخصوص بناتي الذين أحبهم أكثر من نفسي، وزملائي الذين حققوا كل النتائج المبهرة.. أقول لهم إنني أمازحهم مُراح الحبيب لحبيبه، فهم مع بقية أهلي وأصدقائي عالمي الذي أنتمي له، ولا أنوي في أي وقت قريب أن أكون خارجه.

وكان الله في عون الجميع.

عن الكتابة

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

ما أعرفه على وجه اليقين (ملفات القرّاء رقم ١)

هنا بداية مشروع سلسلة مقالات ستُخصص للإجابة على أسئلة القرّاء.

ما أعرفه على وجه اليقين (ملفات القرّاء رقم ١)
للأعضاء عام

أسئلة القرّاء (أو ملفّات القرّاء)

لم تأتيني فكرة إشراك القارئ المخلص لهذه المدونة أو لأيٍ من كُتبي طوال الإثني عشرة سنة الماضية. ربما لأن الأساس هو محاولة إخبار القارئ الكريم ما أود قوله والكتابة عنه، وبصراحة لم أعاني يومًا مما يُسميه بعض الكُتاب «حبسة الكتابة» أو الـ Writers Block. وقد وقعت

أسئلة القرّاء (أو ملفّات القرّاء)
للأعضاء عام

كل الكُتاب فاشلون

رجال الأعمال ليسوا سوى هواة للفشل، وقد اعتادوا على هذه الفكرة. أمّا الكتاب هم المحترفون الحقيقيون.

كل الكُتاب فاشلون