تخطى الى المحتوى

تأملات في انضباط عملي غير مطلوب

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف
2 دقائق قراءة

«في عام ١٩٥٣م، سافرت في جولة ملكية واحدة أربعين ألف ميل، كان كثير منها عبر السُّفُن. صافحت ثلاثة عشر ألف يد، واستقبلت عشرات الآلاف من الانحناءات. ألقت واستمعت إلى أكثر من أربعمئة خطاب. وكانت هذه مجرد واحدة من مئات الجولات الملكية خلال فترة حكمها. في المجمل، سافرت أكثر من مليون ميل بحرًا، وأضعاف ذلك جوًا. التقت مع أكثر من أربعة ملايين شخص (جلست شخصيًا مع أكثر من مليوني شخص لتناول الشاي)، ومنحت أكثر من مئة ألف جائزة».

ولعل الأمر الأكثر إثارة للإعجاب هو أنه من بين مئات الآلاف من المشاركات والأحداث والظهور والوجبات، التي غالبًا ما يسبقها السفر لمسافات طويلة وتغييرات المنطقة الزمنية، لم تنعُس في الأماكن العامة سوى مرة واحدة؛ في محاضرة حول استخدام المغناطيس في علم الأحياء والطب عام ٢٠٠٤م (كان عمرها آنذاك ثمان وسبعين عامًا).

وفي مناسبة أخرى، تنظر إلى أحد الضُّبَّاط الذي يرافقها في زيارة رسمية وهو واقف:

«هل أنت متعب أيها اللواء؟» سألته وهو يتدلى على نحو ملحوظ. أجاب: «لا يا سيدتي». قالت له من مقعدها الذي يبلغ ارتفاعه خمسة أقدام وأربعة: «أخرج يديك من جيوبك وقف بشكل مستقيم».

ويحكي هوليدي:

«في زيارة إلى الولايات المتحدة خلال إدارة بوش الأولى، صادف مسؤول أمريكي الملكة بالصدفة في لحظة من الاستعداد الهادئ بعد يوم طويل للغاية. وقال معلّقًا: «لقد كانت واقفة في مكانها؛ كان الأمر كما لو كانت تنظر إلى الداخل، وهي لا تزال مستعدة، هكذا قامت بإنهاء بطارياتها. لم يكن هناك أي ثرثرة، بل كانت تقف ساكنة تمامًا، وتنتظر إلى لا شيء، كانت تستريح، وهي واقفة بينها وبين نفسها.

على مر السنين، ابتكرت طرقًا تجعل الالتزامات الطويلة أكثر قبولًا؛ تدرّبت على ما معدله أربع ثوانٍ للسلام وإنهاء المحادثة مع أي شخص تقابله دون تخطيط. أزالت الأطباق التي لا داعي لها من وجبات العشاء. وحوّلت جميع الخطابات بعد انتهاء الوجبات بدلًا من قبلها، حتى تتمكن من اختتام المناسبة والتسلل للخارج بهدوء».

كانت إحدى تحدياتها غير المعلنة هي عدم امتلاكها لأي قرارات سياسية؛ كل شيء يخرج باسمها، رغم عدم وجود أي مشاركة منها. يعلّق هوليدي على هذه النقطة تحديدًا:

«كان من المعروف أنها تقرأ كل الرسالة في «الصندوق الأحمر» الذي يوضع فيه أهم الوثائق الوزارية لها لتقرأها. كان الكثير منها مملًا ومعقّدًا على نحو مذهل! كانت تقرأ ست صحف كل صباح. تفعل ذلك كل يوم على الرغم من أن أحداً لم يجبرها على ذلك، ولم يسألها أحد عن مضمون كل هذه الأوراق. كان بإمكانها بدلاً من ذلك أن تطلب ملخصات موجزة. كان بإمكانها المرور سريعًا عليها. لكنها لم تفعل ذلك. وعلى الرغم من أن فرصها في استخدام هذه المعرفة كانت محدودة دستوريًا، إلا أنها فعلت على كل حال. لماذا؟ لأنها كانت أضمن طريقة لها للقيام بواجبها».


المراجع: هوليدي، ريان. الانضباط هو القدر: قوة ضبط النفس (سلسلة الفضائل الرواقية) (٩٩، ١٠٠، ١٠٣). مجموعة بينجوين للنشر. اصدار حصري.

مقالات عن الانتاجية

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

كيف نتعامل مع كثرة الأهداف في حياتنا؟ (ملفّات القرّاء ٤)

مساء الخير أُستاذ أحمد، جزيل الشكر على هذه المدونة الجميلة والمفيدة، سؤالي: كيف يتعامل الإنسان مع كثرة الأهداف في حياته؟ حينما يحاول التخطيط للفترة القادمة، يجد أهدافاً كثيرة على جميع المستويات إيماني، تخصصي، معرفي، اجتماعي ومالي وغيرها! وكلما حاول عمل فلترة، يجد هذه الأهداف والأمنيات ملحة! فيزداد حيرة؛ يخاف

كيف نتعامل مع كثرة الأهداف في حياتنا؟ (ملفّات القرّاء ٤)
للأعضاء عام

فيما يخص تعليق الشهادات على الجِدار (رسالة قارئة)

عن المقالة السابقة بعنوان في تعليق الشهادات على الجِدار. وصلتني رسالة لطيفة، أعتقد إنها تستحق النشر. هنا رد قارئة كريمة اسمها السيدة/ شيخة علي الخروصية: فيما يخص أهمية الشهادات المهنية سأحكي لكم عدة أحداث أو مواقف مررت بها لعلها تضيف شيئاً لكم. أحدثها أننا في قسمنا ممثلين المؤسسة بأكملها

للأعضاء عام

أقف حائرًا مرة أخرى أمام نصائح الانترنت

أفهم جيدًا أن معظم النصائح التي تأتي من أماكنٍ عشوائية من الإنترنت هي محل تساؤل. وأفهم جيدًا أن ليس كُل ما يُقال قابل للتصديق. ورغم هذا (الادعاء)، فإن شيئًا داخلي لا يستجيب بنفس القدر. أتأثر وأتحمس للبعض، وأستنكر تمامًا آخرين. أتابع عشرات الحسابات التي

أقف حائرًا مرة أخرى أمام نصائح الانترنت