تخطى الى المحتوى

رسالتي لصديقتي: في العيش كالفنانين - أو الغنم

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف

صديقتي الغالية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكِ بكل خير.

أصعب ما في الكتابة شيئان: أولها أن هذه المهنة شديدة الوحدة، فيظل الكاتب يبحث ويكتب لفترة … (وفي حالتي) يدقق ويشرف على نشر الكتاب دون أن يعلم ماذا سيفعل القارئ بما كتبه في نهاية الأمر. هل سيتقبل القارئ ما كتبه الكاتب؟ أو سيركُن الكتاب في طرف الطاولة مع كُتب أخرى؟ … والسؤال الأهم: هل سيستفيد بالفعل بما كُتب؟

ثانيها: أن الكتاب حجة على الكاتب قبل أن يكون شرفاً أو إدعاء يحق له أن يستخدمه ليُلقب نفسه: الكاتب فُلان. ولذا أجد أن أهم ما في الكتابة هي الصراحة والصدق المتناهيين، وإلا سيشعر القارئ بكل سهولة أن الكاتب لا يعني ما يقول.

سعادتي لا توصف عندما أستلم رسالة تحمل كل هذا الشغف والتأثر العميقين كاللذي حملته كلماتك اتجاه ما كَتبَت. 

بالطبع يجب أن نعيش حياتنا كفنانين! … لكن دعيني أقول لكي أن القناعة شيء وأفعالنا على أرض الواقع شيئاً آخر. أعلم يقيناً أن قناعاتنا ستحدد طريقة تفكيرنا ومن ثم ستحدد طريقة أفعالنا كما يقولون دائماً. وحتى ينتهي بنا الحال كفنانين فإننا سنواجه في الطريق عدة أمور منها مقاومة المجتمع … والكسل … ونقص الإرادة والتضحيات التي سنكتشف لاحقاً أنها لم تستحق أن تكون تضحيات … وربما ينتهي العمر لنعترف أننا لم نعمل (أو نفعل) ما كُنا نُريد أن نعمله طيلة تلك السنوات، كما تحدث جوزيف كامبل طيلة حياته الثمانينية حول هذا الشأن ليختم في إحدى مقابلاته: “هؤلاء لم يتبعوا بركتهم التي أعطاهم هيا الله”.

تعلمت يا صديقتي أن الفنان يصل في حالات كثيرة للهدف الذي عاش لأجله من خلال فنه وليس من خلال تكرار ما يفعله الآخرون، وفي حالات أكثر يصل بعد موته لأهدافه التي لم يستطع الوصول إليها في حياته.

تعلمت أنه ليس هُناك جائزة لأفضل من يسمع كلام الآخرين في العالم، ولكن في المقابل يوجد تاريخ سيتذكر ماذا فعلتِ كفنانة … ويوجد رضىً نفسي -لا يُقدّر بثمن- عن حياتك التي صرفتيها بالعمل كالفنانين.

وتعلمت أيضاً يا صديقتي أن الكثير الكثير منّا اختاروا أن يعيشوا حياتهم كالغنمة! … نعم أنا آسف كالغنمة: تأكل وتشرب وتنام وتصرف حياتها بأن تكون مُسالمة وضمن القطيع. يُلغون أفضل نِعم الله عليهم بتجاهل العقل … ويلغون أفضل ثاني نعم الله عليها بتجاهل الحرية.

أرجو أن تستمري في كل تفاصيل حياتك كما فعلتي حتى وصلتي إلى ما وصلتي إليه الآن، وأعلم يقيناً أنكِ ستكوني أحد أهم من عاش حياته التي اختارها لنفسه.

يقول سقراط: “إن خيرني الله بأن أصل إلى النجاح الكامل، أو القدرة على التحمل المتواصل حتى أصل إلى النجاح … سأختار الثانية”.

دمتي بخير وسعادة

وشكراً جزيلاً لكِ.

أحمد

مقالات عن سلوك الفنانين

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

هنا الصمت العقابي

إذا كل شخص قابلناه «تجاهلنا تمامًا» وتصرف وكأننا غير موجودين، فسوف يغمرنا إحساس بالغضب ويأس عاجز، ولن نجد الراحة إلا في أشد أنواع التعذيب الجسدي

هنا الصمت العقابي
للأعضاء عام

عن دخول دورة مياه النساء بالخطأ!

رفعت الآنسة جوالها، ثم أعادته إلى جيبها.. واستدارت. وانصدمت.

عن دخول دورة مياه النساء بالخطأ!
للأعضاء عام

لماذا تركت البودكاست؟

أهيم وأُفتن في جهود الكُتاب وإنتاجاتهم الأدبية والبحثية والملحمية، أكثر من قدرة مقدّمي البودكاست على السكوت والإنصات دون كحّات.

لماذا تركت البودكاست؟