تخطى الى المحتوى

ظهور الشيب

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف
2 دقائق قراءة

يعلق مازحًا ومستغربًا أخي العزيز والصديق إبراهيم عبّاس عدم ظهور شعرة بيضاء واحدة في وجهي ورأسي في إحدى اللقاءات مؤخرًا، في حين أن ثلاث من أبناء إخوتي – كلهم أصغر سنًا مني طبعًا – كانوا قد بدأ الشيب يغزوهم بوضوح! ثم ألتقي البارحة مع أحد الأصدقاء في اجتماع «أونلاين» ويسألني بعد تفحُّصِه السريع من خلف الشاشة لوجهي «أين الشيب؟ لا أراه عندك» ويستكمل تعليقه مازحًا بعد أن استوعب أنه في نفس عمري تقريبًا، إلا أن الشيب بدأ يأخذ مكانه في حياته: «هذا غش! … أين شيبتك؟».

وهنا أستذكر استشهادي بالكاتب الساخر عمر طاهر (في مقالة قديمة) عندما حكى عن صديقه الذي ظهرت له شعرتين بيضاء بقوله:

«صديقي ليس من النوع «العايق»، ولم يفعل ذلك كذئب بشري محتمل، وهو ليس نجمًا يخاف على جماهيريته، لذلك صدقته [عندما اعترض على شعرتيه البيضاء]، قلت له: «كل سن وله حلاوته»، لم يعترض، ولكنه قال: «أنا بس ما كنتش عامل حسابي… اتاخدت غدر». أخمِّن أن صديقي الذي عبر منتصف الأربعينيات قد تعرض لأكثر من «خضة» أربكت حساباته، من نوعية أن يسمع من مراهق شحط في الشارع: «يا عمو»، أو صديق «يمنشنه» في صورة مشتركة على فيس بوك وقد كتب عليها: «العجمي من 25 سنة».

في مناسبة أخرى قبل شهرين، أجلس مع أحد شركائي من دولة الهند، حيث إن أكثر ما نجتمع عليه – بعيدًا عن العمل – هو وجبات الغداء في المطاعم جنوب هندية الشعبية، وقد سألته سؤالًا قديمًا كان في خاطري، بعدما نظرت إلى أطباق الغداء المليء بعضها بأوراق «الكاري»: «هل أوراق الكاري تؤكل بالمُناسبة؟ أم تُعامل معاملة ورق الغار، مهمتها إعطاء النكهة فقط؟». وأجابني: «بالطبع تؤكل! ولدى الهنود قناعة بأن من يتناول أوراق الكاري بشكلٍ منتظم، سوف يؤخِّر هذا الأمر نمو الشيب في رأسِهم، وذلك لاحتوائه على نسبة جيدة من مادة «الميلانين» المسؤولة عن لون الشعر».

طبعًا لا أملك أي استشهاد أو دليل علمي أو عملي تجاه هذا الموضوع، وعلى القارئ الكريم ألّا يأخذ هذا الجزء بجدية، لأنني لحظتها قُمت بتوزيع نظراتي على الجالسين من أحبتي الهنود، ووجدت نسبة جيدة منهم كان قد غزى الشيب شعرهم (ولو أن النسبة المئوية بصراحة لم تكن كبيرة مقارنة بالشعر الداكن لدينا).

يعلم القارئ المخلّص أنني أملك معزة خاصة وولاء ليس كمثله ولاء للمطبخ الهندي، ولا أُنكِر إن أوراق الكاري في طبخات منزلي الأسبوعية (وأحيانًا شبه اليومية) لا تنقطع أبدًا. وهذا ما يجعلني أتوقّف قليلًا عند ما قاله شريكي العزيز السيد هاريش.

لا يخرج الأمر بالطبع عن كونه حزمة من العوامل البيولوجية المترابطة والتي تساهم بإصابة الناس بالشيب، بنسبة قليلة كانت أو كثيرة، ولعلي أُشير إلى قناعة واحدة قديمة تقول: أن الانغماس دون وعي في التوتر والقلق سيكون له شيءٌ من التأثير على لون الشعر.

ولا أُخفي إنني أُعاتَب مِمَن حولي تجاه النقطة الأخيرة؛ لأن ردات فعلي يغلبها البرود تجاه مواضيع شديدة الحيوية وأحيانًا تستدعي بعض الغضب، وهذا بالطبع فيه ابتعاد عن التوتر في المواضيع التقليدية. ولا أعرف إن كان هذا الأمر بشكلٍ دقيق هو نعمة، أم لعنة كما يراها البعض، إلا إنني ككثير من البشر، أرتاح بما وجدتُ فيه نفسي، أكثر من الادعاء بما لستُ عليه.

عمومًا سأحاول الاحتفاظ بما تبقى من الشعر الداكن حتى إشعار آخر.

 

شؤون اجتماعية

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

الحماس: ٢٥ نقطة إضافية على الذكاء

الحماس هو الوجه الآخر للتفاؤل. نستطيع تحميله وزنًا أكبر من المخاوف. عكس التشاؤم الذي سيُشعرك أن وزن المخاوف القليل أثقل بكثير مما هو عليه.

الحماس: ٢٥ نقطة إضافية على الذكاء
للأعضاء عام

عندما قابلت مشهور ميامي عند الحمّام

في أغسطس عام ٢٠٢٠م، كُنت مقيمًا في مدينة بالقرب من ميامي، وقد زرت مع اثنين من جيراني فندقًا كان صرعة جنوب فلوريدا (Hard Rock Hotel)، وقد افتتح قبلها بعام. كان الفندق تحفة معمارية بحق، فالمبنى بالكامل على شكل جيتار، ويحتوي على عدة مرافق (أشهرها طبعًا الكازينو)

عندما قابلت مشهور ميامي عند الحمّام
للأعضاء عام

جسر نعبر به

ورشة العمل الأولى لكينونة والأسرة المعرفية