تخطى الى المحتوى

عندما نرى الموت شباباً

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف

لم أتطرق في حياتي للكتابة أو التعليق على المواضيع التي تتحدث عن مخاطر السرعة والمخاطر المصاحبة للقيادة الجنونية، وقد يعود السبب لانحيازي للمواضيع الأكثر إيجابية في حياتنا وأيامنا … وأيضاً أعتقد أن كثرة الكلام حول جنون السرعة ومشاكل ساهر على سبيل المثال قد تحدث عنها القاصي والداني في المجتمع، خصوصاً إن علمنا أن نصيب الأسد من حوادث الطرق المميتة هي في مملكتنا تحديداً.

شعرت اليوم ولأول مرة مدى أهمية التطرق لهذا الموضوع ومدى جديته الفعلية، حتى وأن كانت أنا  ومعظمنا يمر على مشاهدة الصور المروعة للحوادث المرورية مرور الكرام متيقناً أنه بعيد كل البعد عنها – مع إجزامي أن كلاً منا قد حضر أو شاهد أحد أحبائه وأقاربه ضحيةً للشارع المجنون – نعم، قد اختلف علي المشهد اليوم اختلافاً كبيراً، والسبب يعود لوجود ابنتي التي لم تتجاوز العام من عمرها وزوجتي معي في السيارة.

كُنت أقود سيارتي قادماً من المدينة المنورة، وتحديداً عند جسر الصالة الملكية بجدة لدى وصولي إليها.  تفاجئت بسرعة مباغتة لاصطدام سيارتين خلفي مصاحبة لصوت تفحيط … توجه إلي ذلك الحادث – في جزء من الثانية – لأستسلم للأمر الواقع بارتطامه مع سيارتي من الخلف بكل قوة.

****

أكثر من خمسة سيارات أصبحت ضحية تهور أحد المراهقين (١٤ سنة تقريباً)، ليقول لي أحد شاهدي العيان أن الشاب المراهق كان يقود سيارته من بداية الخط بسرعة جنونية متنافساً مع أحد السيارات الأخرى على الطريق، وحيث أنه تفاجئ بتوقف الخط تماماً لشدة الإزدحام عند ممر الصالة الملكية، ليصطدم بعدها بمجموعة سيارات كُنت إحداها، وبفضل الله لم أصب ولم تصب عائلتي بأي مكروه.

تعرضت سيارة الشاب والسيارة التي خلفي لصدمة عنيفة مما جعلها تقريباً غير قابلة للتصليح (تشليح)، استيقظت ابنتي وزوجتي على أثر الحادث مفزوعين … خرجت من السيارة بعدها لأرى صاحب السيارة التي خلفي قد تعرض لبعض الجراح جراء الحادث.

تم التأكد من سلامة الجميع، ولأرى بعد دقائق قدوم امرأتين تركضان في وسط الشارع (علمت بعدها أنهما زوجة وأخت صاحب السيارة التي خلفي، الأكثر تضرراً) قادمين ليروا أخوهم، وعليهم علامة الفزع مصاحبة ببكاء شديد وكأنهم تيقنوا موته.

انتهى ذلك المشهد المأساوي بتوقيف أخ الشاب المراهق الذي كان يقود السيارة في قسم المرور (علمت أن الشاب اتصل على أخوه لأنه لم يكن يحمل رخصة قيادة لينوب عنه في دور قيادة السيارة أثناء الحادث) ليتكفل هو وعائلته بإصلاح السيارات الخمسة خلال اليومين وإلا سيتم استمرار حبسه، وقد زاد الطين بلة عندما أخبرنا وأخبر الضابط المسئول عن الحادث، أن أباه يقضي عيده خارج المملكة وتحديداً في المغرب تاركاً عائلته هنا تتقاسم الغلبة مع المجتمع وجنون أطفاله.

وكم كنت سعيداً عندما رأيت الأخ الكريم صاحب السيارة التي خلفي وهو على مايرام ليقول لي: « والله … رأيت الموت في هذا الحادث »، أرواح كاد أن يصيبها ما لم يكتب الله لها بفضله … وأموال ستُصرف خلال اليومين القادمة نتيجة ذلك الجزء الجنوني من الثانية.

نعم … لعلي كُنت أحد المراهقين الذين يطلبون السيارة بشكل مستمر من عائلته دون أي ردة فعل إيجابية من والدي، واليوم تحديداً علمت أنني كمراهق وقتها لا أملك إلا عقل الجنون الذي يقودني لمغامراتي الخاصة متناسياً وجودي ضمن مجتمع حقيقي.

كل عام وأنتم بخير … وكل عام وأنتم دون حوادث يارب

شؤون اجتماعيةقصص قصيرة

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

عن العيش كشخص عادي في المنتصف

أحد أصدقائي العزيزين والمسؤولين في شركة «المحتوى» في البودكاست أخبرني الجملة التالية: «أداؤك عادي، ولا تملك قبولًا كبيرًا كمستضيف». لم يقل أداؤك سيئ، ولم يقل أداؤك خارقاً للعادة، قال بما معناه: «أنت مستضيفٌ عادي». «العادي».. هو شكل معظم حياتي. وهو موضوعي اليوم. وُلدت أصغر إخوتي، ولكنني اعتدت

عن العيش كشخص عادي في المنتصف
للأعضاء عام

مشهد من مشاهد الله (في تأمل فرعون وجنوده)

مقالة ضيف

مشهد من مشاهد الله (في تأمل فرعون وجنوده)
للأعضاء عام

عندما فقدت ابني سألت نفسي: لماذا نحن هنا؟

مقالة ضيف

عندما فقدت ابني سألت نفسي: لماذا نحن هنا؟