عندما يكون الزواج الثاني أسوء من الأول
«في جيلي، عندما كانت النساء تعشن في المنزل حتى يتزوجوا، كنت أرى بعض الزيجات الفظيعة التي تقوم بها نساء رائعات، وهن شبه مرغمات عليها؛ لأنهم يعيشون في منازل سيئة.
ولقد رأيت بعض الزيجات الثانية التعيسة، والتي تم فيها الارتباط لأنها تضمنت تحسينات طفيفة على زواج أول أسوأ».
يصف تشارلي منگر إحدى تأملاته في محاضرته المطولة والشهيرة عام ١٩٩٥م بعنوان «سيكولوجيا سوء التقدير عند الإنسان» والتي يعتقد أنها ساهمت بجعل حياته أكثر هدوءً مصاحبة لثراء كبير كنائب لوورن بافيت رئيس مجلس إدارة شركة «بركشير هاثوي».
يبلغ منگر من العمر ٩٨ عامًا، وهو لا يزال على رأس العمل حتى كتابة هذه السطور.
«أنا مهتم جدًا بموضوع سوء التقدير البشري، ويعلم الله أنني استفدت كثيرًا منه» يعلق في افتتاحية المحاضرة.
قررت أن أقرأ نص المحاضرة مكتوبًا، بسبب سوء جودة الصوت وقد استغرقت مني قرابة الثلاث ساعات لثقلها. من القراءات القليلة مؤخرًا التي أجبرتني على التوقف كثيرًا.
لفتتني الأجزاء التي تحدث فيها عن القرارات الاجتماعية العاطفية المرتبطة بالآخرين، فسوء التقدير لدينا نحن البشر لا ينحصر في اختيار بيت غير ملائم أو سَفرة غير مناسبة، أو مطعم سيء. إنما يطول حتى أكثر القرارات المصيرية في حياتنا.
«أسوء قرارات اتخذناها في حياتنا، كانت قرارات معقولة ومقبولة وقتها» يعلق مورجان هوسل في كتابه الساحر سيكولوجيا المال (والذي سأخصص له مقالة مطولة لاحقًا ربما).
إلا أن منگر استوعب منذ سن مبكر أن معظم قرارات الإنسان المصيرية تتأثر بشكل جذري بمن حوله. وعندما يكتشف سوؤها، يكون قد فات الأوان، ليتأثر بها وحده، أو كما نقول بالعامية في الحجاز «يشجعك على الطلاق ولا يواسيك في الفراق».
الناس عندما ينصحونا لا يشعرون بنا بدقة، ولا يفكرون بالعواقب مثلنا، ولا ينام أحدٌ فيهم جانبنا على السرير كل يوم ليتأمل أفكارنا ومخاوفنا.
ويصف منگر تأثير الآخرين في قراراتنا «أدركت أن الإنسان «حيوان اجتماعي» يتأثر بشكل كبير وتلقائي بالسلوك الذي لاحظه في الآخرين من حوله. عرفت أيضًا أن الإنسان يعيش مثل الدواجن والقردة، في تسلسل هرمي محدود الحجم، حيث كان يميل إلى احترام السلطة وإبداء الإعجاب والتعاون مع أعضائه، ومع إظهار قدر كبير من عدم الثقة والكراهية تجاه الرجال المنافسين الذين ليسوا في التسلسل الهرمي الخاص به».
نستوعب هنا أن العقلانية هي الاستثناء وليست الأساس. التأثر بكلام الآخرين شكل من أشكال عدم التعقّل.
تصبح «الأنا» هي المُحرّك، وهي ما تخدم أشكالنا. ولا تخدم حياتنا.
تختفي العقلانية أيضًا عندما نكون جائعين. فنتجه إلى القرارات التي تسكت جوع الآخرين!
«لقد رأيت هذه اللاعقلانية بشكل نمطي، وهي متطرفة للغاية، ولم يكن لدي نظرية للتعامل معها، لذلك أنشأت نظام علم نفس خاصًّا بي…» يعلّق منگر. ويقترح حلًا ضمن ثلاثة نصائح.. «تحقق جيدًا أو لا تصدق، أو استبدل الكثير مما قيل لك، إلى الدرجة التي تبدو مناسبة بعد التفكير الموضوعي.»
بهذا النهج، قد ينقلب الاندفاع العاطفي إلى هدوء موضوعي.
«تتسبب الغيرة والكراهية أيضًا في سوء التقدير الناجم عن مجرد الارتباط. في مجال الأعمال التجارية، عادة ما أرى الناس يقللون من تقديرهم لكفاءة وأخلاق المنافسين الذين لا يحبونهم. هذا الأمر خطير، وعادة ما يكون بديهيًا لأنه بُنيَ على أساس غير واعي». التنافس واستشعار التهديد على «المكانة» ليس منحصرًا في الأعمال التجارية فحسب، بل أيضًا لدى البشر، ونحن لا نشكك من فكرة أن الاستشارات تأتينا بدافع صادق ومحب. حتى في الأمور التي لا تمس الآخرين بشكل مباشر. إلا أن سُنة الحياة وطبيعة البشر تجبرنا على ألا نستهين بالآراء غير الظاهرة من الآخرين.
أحيانًا يأتي دور الناصح صادقًا وواضحًا، إلا أننا يجب أن نحزن لأن نصائحه تأتي بطعم الغيرة إن لم ننتبه.
النشرة الإخبارية
انضم إلى النشرة الإخبارية لتلقي آخر التحديثات.