لماذا لن ينجح كتابك الذي ستنشره؟
تخيل معي السيناريو التالي: قمت بعمل طبق غاية في اللذة، صرفت عليه ساعاتِ طوال حتى استطعت إتقانه، درست كل المقادير بأدقْ التفاصيل، توصّلت إلى أفضل المكونات، وعالجت أفضل وقت وحرارة نضوج لكي يخرج بشكله النهائي.
جرّبها كل من حولك وأخبروك أنك إنسانٌ مبدع، وقد عرض عليك أحد الأصدقاء من باب المجاملة أو التشجيع فكرة «أن عليك أن تفتح مطعم؛ وسيكون أول شريك لك»، ثم تحمّست وقررت أن تأخد هذه الطبخة إلى مستوى جديد عبر بيعها على: مطعم جديد، أو انستجرام، أو من المنزل.
تحمّس بعدها كل أقاربك وأصدقاءك وقرروا دعمك بشراء طبقك في كل المناسبات، وأخبروا كل من حولهم أنك تملك أكلة سحرية ليس لها مثيل.
يستمر هذا الحماس وتستمر معها ثقتك بنفسك بازدياد، تصرف أوقاتًا طويلة في تسويق الطبخة بكل الأشكال وكل أنواع الحملات الدعائية، كل قبيلتك سوف تحرص على تجربة طبقك الذي أصبح حديث المناسبات. يزداد حماسك وتبدأ بالتفكير في ترك وظيفتك. تبدأ برسم الأحلام، تتخيل حياتك: صورتك كشيف على غلاف مجلة، لقاءات على التلفاز، وأحاديث شيقة في المجالس الخاصة، وبالطبع الكثير من المال والمعجبات.
كل ما ذكرته يبدو أمرًا مشوّقًا.
ثم تأتيك المفاجأة: هل تعلم عدد كل الأشخاص في دائرتك الذين تحمسوا لشراء طبقك من باب الإعجاب أو الدعم أو المجاملة؟ سأعطيك ردًا واقعي: سوف لن يتجاوز المئتين شخص على أحسن تقدير. كلهم، دون استثناء.
ما سيحصل بعدها أن هناك نوعين من العملاء سيكونون حولك، الأول: هو عميل مخلص بصدق لمنتجك، لكنه بدأ يشعر بالملل من تكرار طلباته، وسيعود إلى أحد مطاعمه التقليدية أو إلى تجربة شيء جديد، وربما أيضًا سيعترض – دون إظهار – على سعرك الغالي الذي بررته باختيارك لمكونات عالية الجودة.
النوع الثاني: هو من يقوم بعمل «لايك» في كل مرة تنشر صورة طبقك، ويخبر الآخرين عن قدرتك العالية في الطبخ، لكنه لا يستطيع أن يأكل من طبقك بسبب امتلاكه لحساسية تجاه أحد المكونات، أو لأنه ببساطة لا يستطيع أن يأكله لالتزامه بحمية غذائية.
تبدأ بعدها سلسلة من الإحباطات تكبر داخلك، تخبر نفسك أن «هذا الطبق الذي تعبت عليه، لا يبيع كما يجب الآن» وأن الكثيرين لا يقدّرون موهبتك، وأصبح الناس يفضّلون «الهبّات» على الأكل الأصيل.
ينتهي بك الأمر إلى ذكرى كانت في يومًا ما موجودة. وربما يتّصل عليك أحد القادمين من خارج المدينة ليسأل عن طبقك، لتخبره أنك أقفلت باب الطلبات منذ مدة، سيعود ويخبرك أنك أفضل من قام بطبخها، يشتعل داخلك أمل صغير سرعان ما ينطفئ، وتنتهي القصة.
حلمك وقضيتك تجاه هذه الطبخة كان كل شيء بالنسبة لك، وبالنسبة للآخرين، هي مجرد خيار من ملايين الخيارات الموجودة في سوق المطاعم لا أكثر. ستتعلم بعدها أن التواضع ليس رفاهية ومحاولة استحضار، بقدر ما هو ضرورة مُلحّة في حياتك. ستتعلم أن تقف مع التواضع طيلة الوقت على أطراف أصابعك من الخوف وتوقّع عدم النجاح.
هذا الخوف كان من المفترض به أن يدفعك إلى ابتكار الطبق الثاني، والثالث، والرابع، والخامس. تسعى معه للتغلب على نفسك أولًا؛ دون اكتراث لما يوجد في السوق، تنشغل بسبب الخوف بعملك وبمحاولة اتقانه طالما أنك تملك القدرة على العمل والتطوّر، تحاول التركيز على غزارة الوصفات والأطباق التي ستغطي على عيوب بعض طبخاتك، تُصبح تلميذًا وليس أستاذ. وعندها، ربما ستنجح وربما لا.
وبخصوص كتابك القادم، ستعي ماذا أعني إن استبدلت «الطبق» بالـ «كتاب».
كتابك القادم لن ينجح.. لأن هناك درس يجب أن تتعلمه قبل النشر.. خفض التوقّعات، أو ما نعرفه يقينًا: التواضع.
المثابرة يا عزيزي هي الحل. وجهودك المهنية المستمرة ستعرّف المجتمع على أعمالك خارج دائرة الأشخاص الصغيرة حولك. ستتعلّم أن متعة الرحلة في الرحلة.. وليس الوصول.
وستعي بالطريقة الصعبة أن هناك فرق بين «طبخة واحدة» و «طبّاخ ماهر». كما أن هناك فرق بين «كتابك القادم» ومهنتك «ككاتب صادق».
النشرة الإخبارية
انضم إلى النشرة الإخبارية لتلقي آخر التحديثات.