تخطى الى المحتوى

ما بعد السُبات

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف
2 دقائق قراءة

أتحدّث مع صديقي أول أيام العيد ليخبرني أن مهمة العيد في حياة الناس -إلى جانب الطقوس الاجتماعية- هي فصلهم عن الواقع. يحاول أن يقول بأن أي شيء متعلق بالكتابة أو الإنجاز لا يفترض به أن يكون ضمن الأولويات. وبالفعل تحقق هذا الأمر، وتم فقد السيطرة على كل شيء؛ الأكل والنوم واللقاءات الاجتماعية، وعدم ممارسة أي نوع من الرياضة، أو عادة المشي اليومية التي تملك مساحة خاصة في قلبي.

مشكلتي كانت أن صديقي لم يكن يعلم أنه ومن دون قصد أصبح يُذكّرني بأن هناك شيئًا يجب أن أتناساه، وتحول الموضوع إلى حديث مع النفس: «طنِّش الكتابة.. طنِّش المهام المعلّقة قبل العيد»، وها أنا أعالج حالة السُبات الاختيارية بنوع من التوازن؛ بأن أختار لكلام اليوم أسلوبًا لا يهدف إلى أي نتيجة.

  1. من باب التغيير، قررت البدء في مشاهدة مسلسلٍ تافه لقتل الوقت وشبه محاولة لتضبيط الساعة البيولوجية، ويبدو أن طاقة الانسان مع التقدم في السن لا تملك مخزونًا كافيًا لتحمّل التفاهة. أجبرت نفسي على الحلقة الأولى، وأقفلت التلفاز بعد بعضٍ من التأنيب قبل أن تبدأ الحلقة الثانية، لأكتفي بعدها بالنظر للكتاب المركون على الزاوية دون امتلاك طاقة كافية للقيام والجلوس وقراءة ما ينتظرني فيه. هناك حالة من النوم أثناء الاستيقاظ في هذه الفترة، والتي لا أعلم حقيقة متى ستنتهي. عندما تعشّيت البارحة مع بعض الأصدقاء، شعرت بالغبطة وبعض الحسد بصراحة عندما نظرت لصديقي وهو يتثاءب ويهز رأسه الثقيل من فرط النعاس في الساعة الحادية عشر مساءً، ليستأذن بأدب ويغادر المطعم متجهًا إلى سريره، هذا التثاؤب عملة نادرة في مثل هذه الأيام المستعصية. أعوض هذه النِعمة بالإصرار على بناتي بأن يخلدوا مبكرًا إلى النوم.
  2. بعض اللقاءات الاجتماعية في أيام العيد (والتي أحبها بالمُجمل) أصبحت تستوجب مخزونًا كبيرًا من التحمل، فلا يمكن لإنسان مثلي يحب كرة القدم موسميًا ويشاهد مبارياتها المهمة فقط؛ أن يجلس لأكثر من ساعة يناقش مباراة الاتحاد والهلال ونحن في ثالث أيام العيد، ويناقش قبلها أحوال الطقس، وبعدها أحوال أشخاص انقطعت أخبارهم بسبب انعزالهم عن العالم، وبالطبع أخبار الموتى رحمهم الله. هذه النقطة بالتحديد شجّعتني أن أحاول في كل جلسة أن أقود دفة الحوار وأفتح مواضيع مثيرة، تعطي بعض الزخم وكفاءة أفضل لقتل الوقت، وقد نجحت في بعضها وفشلت في معظمها. وبالنسبة للجلوس مع الكِبار في السن، فإن مواضيع الطلاق والتعدد تُشعِل الجلسة والأدرينالين إلى أقصى درجاته، دون أن يترك آثارًا سلبية طويلة المدى. يعيش الحاضر مؤقتًا وسط فيلم درامي مليء بالأحداث، ولا يتخيل نفسه أحد أبطاله.
  3. الحلويات تُذكّرنا بأن العُمر بالفعل بدأ لا يستجيب بسهولة لقدرتنا بتناول المزيد منها. عندما راقبت نفسي مثلًا، وجدت أنني أُصاب بالمرض بسرعة بعد أن أتناول كمية كبيرة من الحلى، أشعر بعدها إنني نادم على هذه القرارات الغبية بالاحتفاء بهذه الكميات الكبيرة من السكر، وأتناسى الندم في اليوم التالي. لا يوجد في تجربتي حل لهذه الأزمة بالتحديد سوى الروتين المنضبط في اليوم، والذي يقود لقرارات واعية تجاه كل وجبة مع توقيتها المُختار بعناية، والمشكلة الأخرى أننا كشباب يرتدون الثياب فترات العيد، لا نلاحظ تغييرات جذرية في الهيئة، تجد بعض التعليقات من لحظة لأخرى تجاه الوجه الذي يُبرِز بعضًا من راحة البال المتعلقة بالأكل، مع خطورة انتظار فترة الصيف لارتداء الجينز بشكلٍ يومي واستيعاب أن العيد كان عيدين: عيدٌ حضر، وعيد جبناه.
  4. أُصرْ على العودة إلى بيتي في جدة رابع أيام العيد لكي لا يتفاقم موضوع الذنب، ولكي لا تتحول فكرة البحث عن أهميتي في الحياة إلى أزمة وجودية، فالبقاء خارج الظرف المكاني طويلًا يهدد نفسية الإنسان كما أعتقد، ولا بأس في استكمال السُبات والواحد قريب من مكتبه وسريره، لعل بعض البركة تُعيد إشعال نفسها، مثلما جلست تائهًا على كرسي المكتب أنظر على شاشة الكمبيوتر البيضاء، وأدفع نفسي دفعًا لكتابة أي شيء، من أجل صقل العضلة. وها أنا الآن أقترب من الحرف الأخير، أخبر نفسي الآن بأن الرجل الحقيقي والبطل: هو من سيقوم لممارسة رياضة المشي والأثقال بعد قليل.. أو بعد تناول الغداء على أحسن تقدير.

 

شؤون اجتماعية

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

عن العيش كشخص عادي في المنتصف

أحد أصدقائي العزيزين والمسؤولين في شركة «المحتوى» في البودكاست أخبرني الجملة التالية: «أداؤك عادي، ولا تملك قبولًا كبيرًا كمستضيف». لم يقل أداؤك سيئ، ولم يقل أداؤك خارقاً للعادة، قال بما معناه: «أنت مستضيفٌ عادي». «العادي».. هو شكل معظم حياتي. وهو موضوعي اليوم. وُلدت أصغر إخوتي، ولكنني اعتدت

عن العيش كشخص عادي في المنتصف
للأعضاء عام

عندما فقدت ابني سألت نفسي: لماذا نحن هنا؟

مقالة ضيف

عندما فقدت ابني سألت نفسي: لماذا نحن هنا؟
للأعضاء عام

اقتراحات أغسطس ٢٠٢٤م: ألذ مطعم لحم أوصال في العالم

مطاعم: * قبل ثلاثة أسابيع، شرّفنا أخيرًا أحد أبناء إخوتي الذي يزورنا بشكلٍ موسمي كل ثلاثة أشهر، في اجتماع العائلة الأسبوعي. وحكى لي القصة التالية: اقترح عليه صديقه أن يزوروا مطعماً يقدّم ألذ لحم أوصال في العالم، وموقعه في مدينة جدة، خلف سوق الشعلة، اسمه «مشويات بيت الشهباء»

اقتراحات أغسطس ٢٠٢٤م: ألذ مطعم لحم أوصال في العالم