تخطى الى المحتوى

ما تقوم بفعله بنفسك ليس توفير

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف

… إن كُنت تعتقد أن التكاليف مادية فقط.

هناك وقت وجهد وذِهن، بعدها تأتي التكاليف المالية.

قد تستطيع أن تتعلم الحلاقة بعد أن تُجرِب في نفسك أو في رؤوس الآخرين عدة مرات حتى تصل بالكاد لمستوى الحلاق الذي اعتدت عليه، والذي يقوم بعمله كل يوم لثمان ساعات. وعندما تصل لذلك المستوى سوف يتعين عليك أن تقوم بشراء مكائن الحلاقة غالية السعر تحاول استخدامها للوصول لمستوى «شاهين» التركي.

ثم تعتقد أنك وفّرت على المدى الطويل، إلا إنك خسرت ساعات من وقتك الذي كان من الأجدى أن تُصرفه في أمور تضيف لك المزيد من القيمة أو المعنى لحياتك وتنمو بك غير التوفير المالي.

تختلف المعادلة ربما (أقول ربما) إن كنت تعيش في الولايات المتحدة، حيث إن تكلفة الحلاقة كمتوسط هي خمس وعشرون دولار، وهو رقم غالي نسبيًا. إلا أنني قبلته على المدى المتوسط والقصير.

نشرّت سمعة عن نفسي منذ زمن طويل مفادها إنني لا أقوم بأي شكل من أشكال الفزعات في المناسبات. صفر، لا أتحرك، ولا أود أن أتحرّك، ودائمًا ما تتجه أنظاري على الآخرين المستعدين للوقوف وصب الشاي أو القهوة نيابة عني.

وأعتذر إن قلت إنني أود صِدقًا أن أُعامل مثل الضيف في المستوى الأقل من الحفاوة؛ ولأكون أكثر دقة: عندما أذهب لأي مناسبة، أود أن أقضي معظم الوقت مع صاحب المناسبة، لا أود منه أن ينشغل عني ولا أن أنشغل عنه، فقد أتيت من أجله، ولم آتي لمساعدته أو لمشاهدته وهو يقوم ويقعد في ضيافة الآخرين، ولا أحرص بصراحة أن أهتم بضيوفه، وطالما أن هناك أشخاصًا سيكونون سعيدين بتأدية مهام الفزعة بمقابل مادي (قليلًا كان أو كثيرًا) فأهلاً بهم. ففي النهاية أُشجّع الناس دومًا بتوظيف مساعدين مؤقتين لخدمة الضيوف، وإلا ليس هناك داعٍ للمناسبة من الأساس؛ أو بدلًا من إشغال الأصدقاء وأبناء العائلة الذين سيكرهون كل المناسبات المستقبلية، ناهيك عن سوء استجاباتهم لطلبات الكِبار.

أود أن أمضي أكبر وقت مع الحاضرين حتى وإن كان العشاء عبارة عن جبنة وزيتون، فأنا لم آت لمد يد العون.

سمعة أخرى عني في العائلة: لا أحرص على توصيل أي أحد.. طالما أن هناك خيارات مثل وجود سائق وأوبر وكريم، إلا إن كان المشوار على طريقي، أو كان صاحب التوصيلة لديه ظـروف لا تسمح له بأيٍ مما ذُكِر، فالتوصيل شكل من أشكال مضيعة الوقت الذي ليس له داع.

في أمريكا مثلاً موضوع المساعدين والخدم صعب ومكلف للغاية، تكلفة زيارة عاملة التنظيف تتجاوز المئة دولار في اليوم الواحد، مما يضطرني من ناحية حسبة التكاليف مقابل الوقت إلى تنظيف الحمامات والمطبخ والمساعدة في الترتيب، والتسوق وغيرها من المهام بأقصى سرعة وأعلى جودة ممكنة خلال الأسبوع (أذكر أنني كنت أضع سماعات الكُتب الصوتية أثناء الكنيس)، عوضًا عن ذلك سوف يذهب ربع دخلي على سويعات تنظيف أسبوعية. وبالنسبة لأوبر كان شديد الغلاء لدرجة مستفزة، وهذا ما يجعل موضوع التوصيل فيه بعض المرونة.

عندما نصرف ساعات طويلة من أجل تعلّم شيء يساعدنا على التوفير فإننا لا نوفر.

وعندما نصرف ساعات طويلة لنتطور في شيء نجيده في الأساس أو نحبه أو نرغب بصدق لتعلمه، سوف يكون المردود على المدى الطويل رابحًا أكثر بكثير مما نتخيل.

دفعت ما يقارب المئة وخمسين دولارًا عندما اشتريت تصميم مدونتي (بنصيحة أخي العزيز أنس بن عفيف وإشرافه على عملية الشراء)، وأصرف قرابة الألف وخمسمئة دولار سنويًا تكاليف صيانة وتخزين وبرامج حماية، وإن تخيّلت نفسي وأنا أتعلم البرمجة والتصميم لكي أوفر كل ذلك، فقد لا يجد القارئ الكريم مقالاتٍ لي لأشهر. وأعتقد أنه وأنا نفضل الانكباب هنا في الكتابة عوضًا عن صرف جهود لا تجعلني أكتب أكثر.

شؤون اجتماعيةمقالات عن الانتاجية

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

اقتراحات يوليو ٢٠٢٤م: بودكاست وكُتب وأماكن

كان من المثير للدهشة بالنسبة إلي، أن اقتراحات يونيو ٢٠٢٤م قد لاقت تفاعلًا من القريبين أكثر من القرّاء، وهذا أمرٌ لطيف في الحقيقة، لكيلا يشعر المُقترِح أنه «يكلم جدار» مع اقتراحاته. عمومًا، لا يمكن أن أُعطي اقتراحات خارجية، قبل أن أحصل على شيء من

اقتراحات يوليو ٢٠٢٤م: بودكاست وكُتب وأماكن
للأعضاء عام

لماذا تطرد برشلونة سُيّاحها؟ (الموضوع أعقد مما نتصور)

ربما يكون أحيانًا تغيُر نمط حياتهم البسيطة بشكلٍ جذري سببًا كافيًا لعدم تحمّل الضيوف!

لماذا تطرد برشلونة سُيّاحها؟ (الموضوع أعقد مما نتصور)
للأعضاء عام

قصة الحادث الذي لم يغيّر حياتي - الجزء الأول

تريدون قصة؟ سأحكي لكم واحدة. كُنت أدرس في المرحلة الثانوية عام ٢٠٠٤م. اتصلت على أحد الأصدقاء (الذين تخرّجوا)، واتفقت معه أن يمر عليَ صباح اليوم التالي ليقلّني من البيت بسيارته في تمام الساعة السابعة صباحًا، في الفترة التي كان فيها معظم من في سني لا يملكون

قصة الحادث الذي لم يغيّر حياتي - الجزء الأول