ما هو تعريف النجاح برأيك؟
سقطت آريانا هافينجتون مغشياً عليها عند رجوعها للبيت من يوم عمل طويل في السادس من إبريل عام ٢٠٠٧م.
قضت آريانا (مؤسسة ورئيسة مجموعة هافينجتون بوست الإعلامية) أيامها الأربعة التي سبقت يوم سقوطها وهي في قمة الإنغماس في عملها الذي يتطلب متابعة ٢٤/٧ ساعة كي تُنشر أخبار الجريدة على الإنترنت بشكل دوري. ومع عدد قليل من ساعات النوم التي لم تتجاوز متوسط ٤ ساعات حسب ما قالت في مقدمة كتابها: النمو – Thrive، غُرقت في دمائها عند السقوط بعد أن كسر جزء من فكها ورأسها قبل أن يُغشى عليها بشكل تام ليأخذوها أخيراً للمستشفى.
استيقظت بعدها … ليكون ذلك اليوم هو بمثابة يوم الصحوة في حياتها.
يُعرِف الناس النجاح بامتلاك المال والنفوذ في حياتهم، وهذا ما كانت تمتلكه بشكل واضح قبل ذلك اليوم، لتسأل نفسها … هل يمثل بالفعل المال والنفوذ الشكل الصحيح للنجاح؟ لا يمكن … لايمكن أن تكون نتيجة الشخص الناجح في هذه الحياة سقوطه على الأرض مُغرقاً في دمائه مهما امتلك من المال والنفوذ.
*****
أعادت آريانا ترتيب حياتها من جديد، قررت أن تعيش مع الكثير من المعنى، والكثير من النوم، والكثير الكثير من التعرف على الذات، لتُضيف ثلاثة عناصر تكمل معادلة النجاح التي قد يتفق عليها الكثير من الأشخاص وهي:
١) الصحة
٢) الحكمة
٣) التساؤل والعطاء
تأكدت أن النجاح يأتي من الداخل أولاً، وكررت عشرات المرات في كتابها أهمية امتلاك المرء للصحة إضافةً للعناصر الثلاثة الباقية أهم بكثير من البحث عن المال والنفوذ فقط.
أول قرار اتخذته بعد ذلك اليوم هو أن تنام ثمانية ساعات على الأقل كُل يوم مهما كلف الأمر، وأصبحت تُعاتب زملائها عند اتصالهم بها في ساعات متآخرة من الليل والتي قد تعطل هذه الأولويات الجديدة.
قررت إنشاء غُرف للنوم في كل دور من أدوار الشركة لتلزم زملائها بأخذ قيلولة عند شعورهم ببعض الإرهاق.
وأضافت حصص للتأمل ورياضة اليوجا تلزم جميع منسوبي الشركة بالإنضمام إليها، وشجعت نفسها وعائلتها على البحث عن العناصر الأهم في حياتهم (الصحة، النوم، العطاء والحكمة)، وأخيراً قامت بتلخيص هذه القناعات الجديدة في كتابها الأخير لتشارك فيه الجميع بتجربتها التي غيرت حياتها نحو الأفضل خطوة بخطوة.
وثقت آرائها بمجموعة أبحاث ودراسات تفصيلية، محاولة إقناع القراء أن مفهوم العمل والنجاح الذي يحسبه الكثير من الناس ليس كما يظنون، اقترحت تخصيص ساعات إضافية من النوم، والرياضة والتأمل والصلاة كل يوم واقنعتني شخصياً بدور هذه الفعاليات بشكل مباشر للوصول لأي نجاح، وقد خصصت جزءاً كبير من الكتاب تعاتب وتنصح فيه المرأة بضرورة الإلتفات لنفسها قبل الإلتفات لمتطلبات الحياة والعمل. ليس ذلك فحسب بل انهالت بالهجوم اللطيف على كل من يصرف معظم وقته وهو يستسلم للمشتتات اليومية كارتباطنا بأجهزة الجوال ومتابعة آخر الأحداث على قنوات التواصل الإجتماعي.
ما الخطأ في ساعات نوم إضافية. القليل من التآمل. القليل من المعنى.
هل حقاً يُمثل النجاح في ساعات العمل الإضافية، وقضاء معظم الوقت في المكتب؟
وإن كان حقاً هذا هو الطريق الأوحد للنجاح … هل تريده حقاً؟ أم تفضل القليل من الجلوس مع أبنائك وأهلك، والأهم أن تعتني بصحتك بشكل أفضل، ثم لتصل إلى النجاح “العملي” بعد نجاحك الشخصي.
لا أنكر أن الكتاب قد غير بعض قناعاتي، وربما اتضح هذا الأمر بكتابتي لهذه السطور، ولا أنكر أيضاً أنني كُنت أرى النجاح بقضاء ١٦ ساعة عمل والزام النفس بما لا يُكلف الله لها.
عشت أيام عديدة أقضي فيها ساعات طويلة حتى وقت متأخر في المكتب، ودعني أعترف لكم … العمل بذكاء (ومحدودية) كان أفضل بكثير من العمل بجهد غير مبرر. انتهت بعض تلك الساعات الطويلة من العمل بنتائج لم يكتب لها النجاح، وها أنا اليوم اعترف بكل شفافية بأنني تعلمت أن أحب نفسي أولاً … فإن نجحت فمحبة نفسي سينجح كل ما يرتبط حولي بي.
أصبح تعريف النجاح عندي: هو الرضا، ومنها للقناعة.
لا أريد المزيد من الإرهاق، والضغط النفسي، وحياة دون معنى.
بل أريد المزيد من الحب، والمزيد من الطموح، والمزيد من العمل مع الآخرين لنمسك سوية كل زاوية نحو النجاح.
ولن يفوتني تعريف آخر للنجاح: وهو أن أحب نفسي لأحب الآخرين، وأساعد نفسي كي أساعد الآخرين.
فالكثير من الإعتناء بالذات = الكثير من النجاح أخيراً … ربما!
النشرة الإخبارية
انضم إلى النشرة الإخبارية لتلقي آخر التحديثات.