مشكلة عدم سماع الكلام
أجلس مع أحد أقاربي، لأستلم اعترافه أمامي وأمام البقية: «كُنت مثله بالضبط» معلقًا على طبيعة ابنه الذي لا يود أن يسمع الكلام (أو جزء مهم من الكلام من باب الدقة). أخبره من باب المواساة «كلنا ذلك الرجل».
وبمناسبة هذه القصة أُرحِّب بالقارئ الكريم ليجلس بجانبي، ويتم استفزازه من تصرفات الأصغر عندما يكون متحمسًا بشكلٍ هيستيري في محاولة إقناعه بـ «أرجوك اسمع كلامي، والله عدّت عليا». ثم يهدأ ويقول له بصوت منخفض أو عالِ «براحتك» و«بكرا حتشوف».
أعي أن هناك حِزمًا من العُقد تتشكّل في فترة المراهقة والشباب، إحداها محاولات إثبات الذات، والاقتناع بالقدرة على اتخاذ القرارات الصعبة. ولا بأس بهما، إلا أن الأخطاء دومًا ما تجعلنا ننظر إلى أنفسنا بعين الشفقة على الغباء.
أستطيع في مقالة مطوّلة تعداد المواقف التي حذّرتني منها والدتي ولم أسمع كلامها فيها، لآكل على رأسي بعدها. مثل الكثيرين. إلا إن مشكلة عدم سماع الكلام عمومًا تُصبح أكبر وأكثر تعقيدًا عندما نعي أن مشاكلنا ومواقفنا يتطورون مع الوقت، ففي السابق كان المراهق يستلم تحذيرًا عن صديقه الاستغلالي أو شيئًا مرتبطًا بالتفاهة، نفس المراهق المعتزل يستلم نصيحة بعدم الدخول في شراكة أو عمل معين قد يصدمه في الجدار، يتحمل معه حزمة من الديون أو مشاكل معقّدة مع «أطراف ذوي العلاقة».
تصبح الحِكمة ضالة حقيقية أحيانًا، وليست مجرد كليشيه نهز رأسنا في كل مرة نسمع عنها.
تبدأ نتائج القرارات الكثيرة الصغيرة السيئة بالظهور مع الوقت والسن، ويبدأ معها رصيدنا من الحكمة في النمو، حتى نُصبح نحن مصدرها (ربما)، ويأتي الصِغار ليختبروا إيماننا بها.
شيء من التريُّث والهدوء وحس التعلُّم من الأخطاء هو ما يمنع اصطدامنا في البدايات في الجدار. يتحسّن هذا الحدس عندما نشتري لأنفسنا كِبارًا نعود إليهم وقت الحاجة والاستشارة، نسمع جزءًا أكبر من الكلام إن كان منطقيًا لهم وغير منطقيًا لنا.
ومثلي، من يمتلك رصيد أخطاء أكثر بكثير من القرارات الحكيمة، لا يسعه المضي قدمًا في الحياة بهدوء دون أن يكون حوله الكثير من الكِبار. وعندما لا أجد أحدهم، أذهب وأشتري لنفسي كبيرًا يمثِّل صوت العقل والتعقّل، لعل وعسى أن يكون استثمارًا لما تبقى من العُمر.
النشرة الإخبارية
انضم إلى النشرة الإخبارية لتلقي آخر التحديثات.