تخطى الى المحتوى

مشكلة الكذب أنه أكثر إثارة من الصدق

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف

… أضحكني هذا التعبير من الأستاذ الكريم أحمد العرفج عندما قرأته في كتابه «من نواصي أي سفيان العاصي»، والذي ورثته ضمن مجموعة كُتب كان قد قرأها وأهداني هي صديقي العزيز ممدوح سيف.

عندما يتحدث أحدهم، لا يثير انتباه الآخرين له – على الأغلب – إلا أمرين رئيسية: قصة مصاحبة لأحداث مثيرة، أو كِذبة مبالغ فيها. ولا يخفى على القارئ الكريم أن الأحداث المثيرة عادة ما تكون مصاحبة هي الأخرى بتعديلات طفيفة عليها قد لا تصل إلى مرحلة الكذِب؛ لكن ربما تُقبل منه القصة آخذين بعين الاعتبار أنه سيكون من الصعب جداً أصلاً على الإنسان العادي وصف الأمور أو سردها كما حصلت بالضبط، ولذا وجب دوماً كما هو معلوم لدى أي إنسان حكيم، أن القصة لكي تكون برهاناً أو حُجة (في المواقف التي تتطلب ذلك) بأن يسُتمَع لها من أطراف مختلفة. وإن كانت لا تستدعي ذلك يمكن اعتبارها إحدى فقرات Stand up Comedy أو مسرحية درامية ليستمتع المستمع بها وكفى.

«الكذب أكثر إثارة من الصدق» … ليست تشجيعاً طبعاً لكي يضيف الناس المزيد من الكذب في أرصدتهم، ولكنها وصف حقيقي وواقعي جداً يجب الانتباه له، شخصياً أجد وبكل صراحة ميلان الناس للكذب أسهل في كثير من المواقف – خصوصاً الصعب منها – منه للصدق، لأن الإنسان الملتزم والمستقيم والصادق كثيراً ما سيواجه العديد من المترتبات على صدقه، والتي لا يستطيع حملها كل الأشخاص، ولذلك يلجؤون للكذب في حياتهم، على أمل عدم كشفه.

أختار دوماً أن أكون صادقاً، لسبب واحد قد لا يكون منطقياً لدى القارئ الكريم، وهو أنني إنسان خواف، أخاف جداً من مترتبات الكذب التي قد تظهر على شكل حريق بعد وقت طويل، وأفضل استقبال المترتبات السريعة في – ظهورها واختفائها – والتي ربما تأتي على شكل «تهزيئ» أو «عتب» أستطيع ابتلاعه. لأن الفارق كبير بين الاشتعال والعتب عندي!

ربما أشجع الآخرين على ممارسة أقصى أنواع الكذب والزيف وكل الرغبات حولها في شيء واحد، وهو: الشروع في كتابة رواية ما.

فيمكن للروائي أن يمارس كل ما يريد ممارسته من سيناريوهات «كذبية» ويمكن أن يخترع شخصيات تقول الحقيقة في القصة نفسها، ويعلم الروائي نفسه أن هذه الشخصية كاذبة. يمكن له أيضاً تحديد نوع الكذبة … وحجمها … وعمر قائلها … وجنسه … ولونه … بل وحتى إقناع الآلف بأن كاذب الكذبة نفسه محبوك درامياً للدرجة التي يستطيع من خلالها كسب جائزة نوبل مثل الكثير من الروائيين. وبالمناسبة … في هذا الصدد يخبرنا ستيفن كينج بوصفه للروايات بأنها «الحقيقة المختبئة داخل الكذبة» والتي تُظهِر حقيقة البشر من خلال جودة الكذب/الخيال الواضح في الرواية.

هل تعتقد فعلاً أن الكذب (أحياناً) أكثر إثارة من الصدق؟

سيكلوجيا الإنسانشؤون اجتماعية

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

عن العيش كشخص عادي في المنتصف

أحد أصدقائي العزيزين والمسؤولين في شركة «المحتوى» في البودكاست أخبرني الجملة التالية: «أداؤك عادي، ولا تملك قبولًا كبيرًا كمستضيف». لم يقل أداؤك سيئ، ولم يقل أداؤك خارقاً للعادة، قال بما معناه: «أنت مستضيفٌ عادي». «العادي».. هو شكل معظم حياتي. وهو موضوعي اليوم. وُلدت أصغر إخوتي، ولكنني اعتدت

عن العيش كشخص عادي في المنتصف
للأعضاء عام

عندما فقدت ابني سألت نفسي: لماذا نحن هنا؟

مقالة ضيف

عندما فقدت ابني سألت نفسي: لماذا نحن هنا؟
للأعضاء عام

لا يسأل المدربين لاعبيهم: ما الذي تشعرون به؟

هل يكون التعبير المفرط عن المشاعر واليقين بسوء النفسية (خصوصًا لدى اليافعين) مفيد، بنفس القدر الذي يجب فيه أن يحاولوا أن يتجاهلوه بالانسجام مع مسؤوليات حياتهم اليومية؟ لا نجد في عالم الرياضات التنافسية أن المدربين حريصين على استكشاف مشاعر متدربيهم بنفس القدر على حِرصهم لإنجاز جلسة التدريب التالية،

لا يسأل المدربين لاعبيهم: ما الذي تشعرون به؟