تخطى الى المحتوى

هل أنت بخيل أم مستقل؟

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف
3 دقائق قراءة

معظم قراء هذه المقالة هم من أبناء وبنات الطبقة المتوسطة بلا شك. هم أشخاص يسعون للارتقاء بحياتهم في كل الأصعدة، مهنيًا، واجتماعيًا، وعائليًا، ودينيًا، وروحيًا، وصحيًا. واقتصاديًا!

نقف عند اقتصاديًا؛ فهذا الجانب هو الوحيد الذي لا يرتاح ابن الطبقة المتوسطة مناقشة تفاصيله مع الآخرين بشفافية، فالموضوع الاقتصادي هو الذي يكشف الإخفاقات ونقاط الضعف، بقدر ما يكشف قدراتنا على الصمود أمام تحديات الحياة. ولا يوجد إنسان يحب أن يكشف إحساسه بالإخفاق.

يشير آلان دو بوتون أن السبب في ذلك لا يخرج عن تصوير الوضع المادي كانعكاس على قيمتنا أمام المجتمع، فإن امتلكت المزيد منه، فهذا يعني أنني أكثر نجاحًا.. أو بلغة أخرى: إن امتلكت ما يُظِهر أنني أملك المزيد منه فهذا يعني أنني إنسانٌ ناجح، والعكس قد يكون صحيحًا.

ولذا يميل الكثيرين من أبناء نفس الطبقة إلى القيام بتضحيات مكلفة لإثبات أنهم ضمن اللعبة الاجتماعية، فالملابس الفاخرة والمطاعم الغالية خيارات مطروحة كل يوم حتى وإن كانت تقتص من قدرتهم المادية، أو عن بحثهم لمستقبل أفضل مع المزيد من الاستثمار أو الادخار.

وهنا يعلّق مورجان هوسل:

«التوفير، حسب تعريفي يعني: حرمان نفسك من شيء تريده وتستطيع تحمّل عدم الحصول عليه.

إن عدم الرغبة في [شراء شيء] ما لأنك تحصل على متعتك وهويتك من مصادر لا يمكن شراؤها هو شيء مختلف تمامًا.

أفضل كلمة لوصف هذه الحالة على الأرجح هي: الاستقلال.

معظم الناس متهيئون للبحث عن المكانة والنجاح، وليس بالضرورة السعادة. من الرائع مشاهدة شخص ما يقاوم هذا الاتجاه. [قد يبدون] من الخارج مقتصدين. لكنهم في الواقع رفضوا ما يقوله لهم العالم أنهم يحتاجوه، وفضلوا إزاحة النظر إلى شيء آخر ليجدوا سعادتهم فيه.

يخبرك العالم – ولو بالهمس فقط – أن الجميع يجب أن يريدوا نفس الأشياء: منزل كبير، سيارة جميلة، درجات علمية متقدمة، أوراق اعتماد، مكانة اجتماعية، وما إلى ذلك.

أنا أحب معظم تلك الأشياء. لكن عليك أن تدرك مدى جاذبيتهم التي تمثل انجذابًا للمكانة، وهو ما يمكن أن يكون مختلفًا تمامًا عن السعادة.»

ويكمل بحكايته عن «تشيك فيني» مؤسس سلسة متاجر الأسواق الحرّة Duty Free:

«توفي تشاك فيني، مؤسس متاجر السوق الحرة، الشهر الماضي.

الجزء المعروف من قصة فيني هو أنه تخلى عن 99.99% من ثروته البالغة ثمان مليارات دولار منذ سنوات، قبل وفاته.

احتفظ هو وزوجته بمليوني دولار، وعاشا في شقة صغيرة، وسافرا بالحافلة، وتبرعا بالباقي للجمعيات الخيرية. الجزء الأقل شهرة من قصة فيني هو أنه قام ذات مرة بتجربة صادقة مع حياة البذخ.

كتبت صحيفة واشنطن بوست عن حياته في الثمانينيات، عندما أصبح ثريًا حديثًا:

كان لديه شقق فاخرة في نيويورك ولندن وباريس ويمضي في إجازات فاخرة في أسبن والريفيرا الفرنسية. كان يتجول مع الأثرياء الآخرين على اليخوت والطائرات الخاصة. إذا أراد ذلك، كان يستطيع تحمّل تكلفة شراء واحدة منها.

سرعان ما أدرك «فيني» أن ذلك لم يرقه كثيرًا. بل أن المجتمع أقنعه أنه يريد هذه الأشياء (البيوت، والإجازات الفاخرة، واليخوت، إلخ.). لكن هذا لم يكن ما جعله سعيدًا في الواقع. بل التبرّع بالمال.

وقال فيني: «أنا سعيدًا حقًّا عندما أساعد الناس، وأشعر بالتعاسة عندما أقوم بعكس ذلك».

أحببت هذا التصريح. أو بشكل أكثر دقة: أحببت أنه أحب ذلك.

لم يتبع مسارًا نموذجيًا لما قال له الآخرين ماذا يُحب أو كيف يعيش. وجد ما جعله إنسانًا سعيد. ربما بدا مقتصدًا [للآخرين]، لكنه كان في الواقع الشخص الأكثر حرية واستقلالية على الإطلاق».


References:

 

شؤون اجتماعية

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

اقتراحات يوليو ٢٠٢٤م: بودكاست وكُتب وأماكن

كان من المثير للدهشة بالنسبة إلي، أن اقتراحات يونيو ٢٠٢٤م قد لاقت تفاعلًا من القريبين أكثر من القرّاء، وهذا أمرٌ لطيف في الحقيقة، لكيلا يشعر المُقترِح أنه «يكلم جدار» مع اقتراحاته. عمومًا، لا يمكن أن أُعطي اقتراحات خارجية، قبل أن أحصل على شيء من

اقتراحات يوليو ٢٠٢٤م: بودكاست وكُتب وأماكن
للأعضاء عام

لماذا تطرد برشلونة سُيّاحها؟ (الموضوع أعقد مما نتصور)

ربما يكون أحيانًا تغيُر نمط حياتهم البسيطة بشكلٍ جذري سببًا كافيًا لعدم تحمّل الضيوف!

لماذا تطرد برشلونة سُيّاحها؟ (الموضوع أعقد مما نتصور)
للأعضاء عام

قصة الحادث الذي لم يغيّر حياتي - الجزء الأول

تريدون قصة؟ سأحكي لكم واحدة. كُنت أدرس في المرحلة الثانوية عام ٢٠٠٤م. اتصلت على أحد الأصدقاء (الذين تخرّجوا)، واتفقت معه أن يمر عليَ صباح اليوم التالي ليقلّني من البيت بسيارته في تمام الساعة السابعة صباحًا، في الفترة التي كان فيها معظم من في سني لا يملكون

قصة الحادث الذي لم يغيّر حياتي - الجزء الأول