تخطى الى المحتوى

هل أنت مُسرِف؟

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف
هل أنت مُسرِف؟
Photo by Alice Alinari on Unsplash

قبل الإجابة على هذا السؤال، ربما يستحق أن نُعيد تعريف الإسراف قليلًا.

وهنا بعض ما يأتي في البال:

  1. هو شراء كمية أشياء أكثر من احتياجنا (من ملابس، أدوات، طعام إلخ.)
  2. هو شراء شيء نحتاجه بسعر أعلى من قيمته، كأن نشتري مرسام (سعره المعتاد ١ ريال) بمبلغ (٥ ريال).
  3. هو شراء شيء سعره غير مبالغ به، لكنه أعلى من مستوانا المادي (مجازًا: كأن يشتري شخص سيارة بالقرض سعرها مئتي ألف ريال، وراتبه لا يتجاوز العشرة آلاف).

قد يكون الإسراف خليط بين بعض أو كل هذه التعريفات.

وقبل الخوض، أود أن أُلفِت النظر لمفهوم مهم وهو: القيمة مقابل السعر.

ويعرّف وورن بافيت هذا الأمر بقوله «السعر هو ما تدفعه. القيمة هي ما تحصل عليه»، وهناك فرق جوهري، فالقيمة تختلف على حسب الحاجة والاستخدام.

أعتبر مثلًا شراء قهوة ستاربكس يوميًا وأنا ذاهب إلى العمل نوع من الإسراف، إلا أن نفس القهوة إن اشتريتها وأنا برفقة الأصدقاء لا تعد كذلك، والسبب أن الحالة الأخيرة أدفع فيها مبلغًا مقابل قيمة القهوة مع وجود الأصدقاء والجلسة. أما الحالة الأولى فهي مقابل كوب القهوة، الذي قد أوفّر ما نسبته ٩٠٪ من سعره على المدى الطويل إن اشتريت آلة قهوة وبُنْ ستاربكس.

لا يجب أن نستغرب من شراء مصوّر محترف لعدسة بقيمة عشرة آلاف ريال ودخله الشهري بالكاد يصل إلى هذا الرقم. القيمة هنا أعلى من السعر، فقد تساعده هذه العدسة على خلق جودة عمل أفضل وبالتالي فرصة دخل أعلى وهي من صميم عمله ويومه. إلّا أن نفس هذه العدسة إن ذهبت أنا واشتريتها، فقد يظن من حولي أنني قد جُننت.

كنت في عام ٢٠١٤م في منطقة سان ميشال المزدحمة في باريس، احتجت أعزّكم الله إلى بيت الراحة، واكتشفت أن كل المطاعم في تلك المنطقة غير مستعدة للتعاون بهذا الشأن، مما اضطرني لشراء ساندويتش (أقرب ما يكون إلى الشاورما) من محل شعبي، بقيمة سبعة يورو (٣٥ ريال تقريبًا) من أجل أن أستخدم دورة المياه. بالطبع أكلته رغم أنني لم أكن جائعًا، ومع ذلك فقد رأيت بأن القيمة هنا تتوازى مع السعر الذي دفعته. فلم أكن أود تخيّل أي نوع من المحاولات الأخرى لحل تلك الأزمة. السعر هنا غالي نسبيًا على ساندويتش بالكاد يؤكل، إلا أن قيمته عالية.

الإنسان لا يجب أن يركز كثيرًا في سعر الأشياء وقت الأزمات، وإلا لمات من الغيظ.

الفخ الذي أخشى من الوقوع فيه هو وهم الاعتقاد بأننا ندفع سعرًا مرتفع مقابل قيمة عالية.

كأن تأتي أم كريمة –متوسطة الدخل– تشتري لابنها ذو السبعة أعوام حذاء «قوتشي»، لاقتناعها بأنها تختار الأفضل لابنها، وهي في نظر البعض تفعل العكس تمامًا.. تخرّبه بإدخاله في جو العلامات التجارية منذ هذا السن، وثانيًا أنها بذلك تحاول أن تدفع قيمة تقصيرها مع ابنها في أمور أخرى.

المثال الأخير سطحي قليلًا، لكن الفكرة قد تطال أمور أكثر عمقًا وتعقيدًا، مثل المدارس الخاصة، الأندية المكلفة، وأشياء متعددة قد تستحق أن نتوقف عندها ونحلل فيها معادلة «القيمة» مقابل «السعر».

أدفع لمدربة سباحة لبناتي مبلغ أربعين دولارًا للساعة هنا في فلوريدا، تأتي لتدريبهم عدة مرات في الأسبوع، وعند مراجعتي لميزانية هذه الدفعات نهاية الشهر (لأستوعب أنها مُكلفة)، اكتشفت أن أداء بناتي في السباحة مؤخرًا تطور بشكل جذري، واستوعبت أن سعر الحصص يوازي القيمة المحصّلة، وصرفت النظر عن المراجعة.

رأيت بأن التعريف الأفضل للإسراف كان من قِبل الكاتبة المالية اللطيفة ڤيكي روبن في كتابها Your Money or Your Life وهو بالمناسبة كتاب رائع عن الإدارة المالية الشخصية، أنصح الجميع بقراءته، وقد شَرحت:

الإسراف: هو شراءنا لشيء نكتشف فيما بعد أننا لم نستهلكه بشكل منتظم.

أي شيء تشتريه لا تستخدمه بكثرة يعتبر إسراف.

إن اشتريت سماعة جوال بقيمة ٢٥٠ دولار، أصبحت تستخدمها بكثرة لدرجة أنك تشحنها مرتين في اليوم، فهنا ربما لا يعد هذا الأمر إسرافًا!

وهنا نفهم أننا قد نكون مسرفين في أمور ومعتدلين في أمور أخرى، وأجد أن التفرقة هنا صحية لمتابعة سلوكنا ونعالج أماكن الخلل.

ولكي أساعد القارئ الكريم بالإجابة على سؤال العنوان، ربما أشجعه على تحليل مشترياته مؤخرًا؛ فأن كان بعضها لم يدخل ضمن قائمة الاستهلاك العالي، فقد أسرف فيه.

والإنسان المسرف هنا، هو الشخص الذي اعتاد على شراء الكثير من الأشياء دون أن يستخدمها بشكل فعّال.

شؤون اجتماعية

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

عن العيش كشخص عادي في المنتصف

أحد أصدقائي العزيزين والمسؤولين في شركة «المحتوى» في البودكاست أخبرني الجملة التالية: «أداؤك عادي، ولا تملك قبولًا كبيرًا كمستضيف». لم يقل أداؤك سيئ، ولم يقل أداؤك خارقاً للعادة، قال بما معناه: «أنت مستضيفٌ عادي». «العادي».. هو شكل معظم حياتي. وهو موضوعي اليوم. وُلدت أصغر إخوتي، ولكنني اعتدت

عن العيش كشخص عادي في المنتصف
للأعضاء عام

عندما فقدت ابني سألت نفسي: لماذا نحن هنا؟

مقالة ضيف

عندما فقدت ابني سألت نفسي: لماذا نحن هنا؟
للأعضاء عام

اقتراحات أغسطس ٢٠٢٤م: ألذ مطعم لحم أوصال في العالم

مطاعم: * قبل ثلاثة أسابيع، شرّفنا أخيرًا أحد أبناء إخوتي الذي يزورنا بشكلٍ موسمي كل ثلاثة أشهر، في اجتماع العائلة الأسبوعي. وحكى لي القصة التالية: اقترح عليه صديقه أن يزوروا مطعماً يقدّم ألذ لحم أوصال في العالم، وموقعه في مدينة جدة، خلف سوق الشعلة، اسمه «مشويات بيت الشهباء»

اقتراحات أغسطس ٢٠٢٤م: ألذ مطعم لحم أوصال في العالم