تخطى الى المحتوى

هل ما اصطلح عليه المجتمع تخريف؟

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف

في سهرة جميلة كالمعتاد مع أخي العزيز هاني المنيعي، حكى لي القصة التالية…

كان قد حضر دورة تدريبية في لندن قبل عشرة سنوات، وبعد انتهاء الدورة، قرر أن يأخد زملاءه الأجانب من عدة جنسيات إلى أحد المطاعم العربية في منطقة «بيكاديللي» كفرصة لتعريفهم على أكلاتنا العربية. وعند جلوسهم يقول: «شرعت باستعراض عضلاتي العربية بتعريفهم على نوعيات الأكل العربي، وشرحت لهم الفرق بين الكباب والأوصال والشاورما .. عرفتهم على الحمص والمتبل والتبولة وهكذا ..».

كان الطلب الرئيسي الذي تشجعوا عليه هو الكباب بعد المحاضرة المصغرة التي ألقاها عليهم خلال الدقائق التي سبقت نزول الأكل. وبالفعل قام بطلبه .. ليتفاجئ أن الذي أحضرته النادلة كان صحن «شاورما» ولم يكن كباب.

وعندما تأكد أنها لم تخطئ في الطلبات، وبعد تأكيده أن هذا الطلب عبارة عن شاورما وليس كباب. قررت النادلة حسم هذا الجدل البيزنطي بإخباره: «سيدي هذا كباب وليس شاورما، ربما الآخرين يسمونه شاورما، أما بالنسبة لنا في المطعم فنسميه كباب!».

نتج عن هذا الموقف استغراب شديد لأخي هاني، وعلامات استفهام كبيرة مع لخبطة غير مبررة للأحباء الذين حضروا لتجربة الكباب! لينتهي الأمر باستسلام الجميع، وتوقف حديث أخي هاني تماماً من أجل الأكل.

كان السؤال الذي يطرح نفسه كما قال لي .. «هل يحق لكائنٍ من كان أن يسمي الأمور المُصطَلح عليها في العالم بغير مسمياتها؟ .. هل يستطيع الإنسان أن يصفع صديقه كف (مخمس) ويقول له، أنا أرى أن هذا الكف هو قبلة؟».

وأقول في قراءتي لهذه القصة أن أمور «التسمية» التي اصطلح عليها العالم يجب الأخذ بها في أغلب الحالات الإنسانية، منعاً لأي مهاترات .. تماماً مثل قصة الدكتور المعروف عندما قال لإحدى طالباته  «يا قحبة» لتُصدم وتشتكي عليه ويتفاجئ الجميع لاحقاً أن تعريف كلمة «قحبة» في اللغة العربية هي المرأة شديدة الثرثرة، وليست العاهرة كما يُسوق لها.

على كل حال .. يظل ما اصطلح عليه المجتمع، ليس هو الأصح دائماً بالتأكيد، بل ولا يمكن إسقاطه على الأمور الحساسة والتي لا تقبل التأويل، مثل التنزيل الحكيم أو معظم المصطلحات في القوانين الوضعية، لكن في ظل حياتنا اليومية … أجد أن ما اصطلح عليه الجميع (وإن كان فيه بعض اللغط) يجب أن يؤخذ به.

وفي حالة النادلة … هي اختارت تعريف الشاورما بالكباب، وهذا ليس اصطلاحاً عاماً، إنما تخريف.

شؤون اجتماعية

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

اقتراحات يوليو ٢٠٢٤م: بودكاست وكُتب وأماكن

كان من المثير للدهشة بالنسبة إلي، أن اقتراحات يونيو ٢٠٢٤م قد لاقت تفاعلًا من القريبين أكثر من القرّاء، وهذا أمرٌ لطيف في الحقيقة، لكيلا يشعر المُقترِح أنه «يكلم جدار» مع اقتراحاته. عمومًا، لا يمكن أن أُعطي اقتراحات خارجية، قبل أن أحصل على شيء من

اقتراحات يوليو ٢٠٢٤م: بودكاست وكُتب وأماكن
للأعضاء عام

لماذا تطرد برشلونة سُيّاحها؟ (الموضوع أعقد مما نتصور)

ربما يكون أحيانًا تغيُر نمط حياتهم البسيطة بشكلٍ جذري سببًا كافيًا لعدم تحمّل الضيوف!

لماذا تطرد برشلونة سُيّاحها؟ (الموضوع أعقد مما نتصور)
للأعضاء عام

قصة الحادث الذي لم يغيّر حياتي - الجزء الأول

تريدون قصة؟ سأحكي لكم واحدة. كُنت أدرس في المرحلة الثانوية عام ٢٠٠٤م. اتصلت على أحد الأصدقاء (الذين تخرّجوا)، واتفقت معه أن يمر عليَ صباح اليوم التالي ليقلّني من البيت بسيارته في تمام الساعة السابعة صباحًا، في الفترة التي كان فيها معظم من في سني لا يملكون

قصة الحادث الذي لم يغيّر حياتي - الجزء الأول