لماذا أصبح طلاب الأدب لا يقرؤون الأدب
.القراءة هي مهارة مكتسبة. لكن مرونة الدماغ تعمل في الاتجاهين: إما أن نستخدمها أو نفقدها
قرأت النص التالي في مقالة مُحزنة في صحيفة Financial Times:
وفقا لعالمة الأعصاب ماريان وولف، مؤلفة كتاب Reader Come Home: The Reading Brain In A Digital World:
في حين أن أدمغتنا مهيأة لاكتساب اللغة، إلا أنها ليست مبرمجة بالفطرة على القراءة؛ القراءة هي مهارة مكتسبة. لكن مرونة الدماغ تعمل في الاتجاهين: إما أن نستخدمها أو نفقدها، ونحن نختار على نحو متزايد أن نفقدها. كان وصفها «تعفّن الدماغ» التي أطلقته مطبعة جامعة أكسفورد في عام 2024، تعني حالة الدماغ عندما يستقبل «المحتوى منخفض الجودة والقيمة» الموجود على الإنترنت، الذي يصاحبه تدهور فكري ناجم عن الإفراط في استهلاكه. وقد اُسْتُخْدِم هذا المصطلح لأول مرة في كتاب "Walden" للكاتب هنري ديفيد ثورو عام 1854.
ويُعزى الارتفاع في الاستخدام العام (من سخرية القدر) إلى المراجع الموجودة في مقاطع فيديو تيك توك.
اليوم، حتى طلاب الأدب لم يعودوا يقرؤون الكتب الطويلة. ومؤخرًا، أعرب الباحث في مجال شكسبير السير جوناثان بيت، الذي يقوم بالتدريس في جامعات في كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، عن أسفه لهذا الانحدار. قبل أربعين عامًا، كان بإمكانك أن تقول للطالب: هذا الأسبوع هو مخصص لديكنز، أرجو قراءة كتابه «آمال عظيمة»، وكتاب ديفيد كوبرفيلد «منزل كئيب». الآن، بدلاً من ثلاث روايات في الأسبوع، سيكافح كثير من الطلاب لقراءة رواية واحدة في ثلاثة أسابيع.
في حين تبين أن ست دقائق فقط من القراءة تقلل من مستويات التوتر بمقدار الثلثين، فإن القراءة العميقة توفر مكافآت معرفية إضافية للتفكير النقدي والتعاطف والتأمل الذاتي.
كان التقرير يحاول أن يسلط الضوء مرة أخرى على معدلات الاستهلاك «القُمامي» الذي نعيشه كل يوم، مع الدوائر المغلقة اللانهائية مع التواصل الاجتماعي، التي أصبحت دون شك تُنافس القدرة التي إن اكتسبناها منذ الصِّغَر، ولم نسع إلى إبقائها، هذه الدوائر التي لا تعطي قيمة حقيقية للمتلقي المخدّر، والمستسلم للمقاطع والمحتويات المختصرة.
لعل من رَفَاهِيَة الإنسان المعاصر أن أحد التحديات الحقيقية التي يجب أن يقف عندها، هي الحفاظ على الذات من الرفاهية المضاعفة التي لا يمكن السيطرة عليها من حجم التعرّض للمقاطع. مثلما أصبح أكثر من أي وقتٍ مضى من الصعب أن نحارب شهوتنا تجاه الطعام في ظل المعروض منها تطبيقًا لأدبيات التغذية المعهودة «يموت الإنسان من فرط الأكل، وليس من فرط الجوع هذه الأيام».
أعتقد أنه من الأجدى أن نتفكّر في أن الإنسان لا يحتاج إلى المزيد كما يعتقد ويشعر، بل إلى محاولة التقليل من كل شيء. وعوضًا عن البحث عن إقصاءات اجتماعية وعائلية - كما يُحب الكثيرين مؤخرًا أن ينصحوا - فإننا من الأجدى أن نقترب أكثر اجتماعيًا وعائليًا، ونبتعد عن الخلوات، إن كانت ستُعطينا مساحات أكبر من الاستهلاك القُمامي.
ينسى الإنسان نفسه في الأوقات السعيدة، أو في الأوقات التي ترتبط فيها حضوريًا مع الأحبة، أو مع أي أمور نحبها بعيدًا عن الشاشات. وهنا ربما يستحق الأمر أن نُعطي بعضًا من الاهتمام لتلك الفواصل في حياتنا.
اعترفت قبل يومين في ندوة عن «الانشغال الدائم» أمام الحاضرين، أن من التحديات التي أواجهها شخصيًا في مهنتي ككاتب، هي البحث عن المزيد من الوقت للكتابة. كان الاعتراف ضمنيًا لا يخرج عن أن الأمر أصبح أكثر صعوبة حتى ورغم الممارسة المطولة عبر السنين، ولا أنكر أن سلوك الاستهلاك اللاشعوري، وغير الملحوظ لا يأتي إلا بعد حزمات من الندم والغرق في بحور الإنستغرام وإكس وغيرها من صفحات التواصل.
تسرد الكاتبة «ميا ليفيتين» في تقريرها اقتراحًا آخر وهو:
حتى لو استمر حظر تيك توك في الولايات المتحدة، فسوف تظهر منصات أخرى لتحل محله. لذا، في عام 2025، لماذا لا تستبدل الهاتف الموجود على طاولة سريرك بكتاب؟ إن مجرد ساعة واحدة يوميًا من وقت الشاشة تعادل كتابًا تقريبًا في الأسبوع، مما يضعك بين نخبة القراء التي تبلغ نسبتها واحد بالمئة. يعد ملفيل (والهولا هوب) اختياريين.
وأضيف إلى اقتراحها تعزيزًا مكررًا لفكرة الانتباه أكثر للأحباء، وتبنّي نمطًا دائمًا فيه استحضار غير متوقف للتقليل.
النشرة الإخبارية
انضم إلى النشرة الإخبارية لتلقي آخر التحديثات.