لا تبصق في وجه القارئ
عندما تكتب للآخرين باستخدام الذكاء الصناعي
قرأت مقالة مطولة لأحد الأحبة على لينكد إن قبل أسابيع كتبها باللغة الإنجليزية، يتحدث فيها عن أحد الأمور المعقدة في موضوع يخص الحوكمة في الشركات، وأعرف يقينًا أنه 1. ليس مُلمًّا لهذا الحد باللغة الإنجليزية. 2. رغم عمله في نفس التخصص إلا إنه هو نفسه يعلم أنه لا يعي تمامًا وتفصيليًا ماذا قد كتب.
ولهذا، أنا على استعداد لحلق شنبي ولحيتي إن كان قد كتبها دون استخدام الذكاء الصناعي!
مثل هذا الأخ الحبيب يوجد العشرات، ولذلك لن أخشى أن يظهر لي في أحد المناسبات ليلومني على هذه المقالة؛ فهو وسط بحر من المدّعين.
تشجعت لهذه المقدمة بعد أن صارحني الصديق العزيز طاهر الزهراني بشكّه الكبير تجاه أي مقالة تُكتب هذه الأيام على الانترنت بسبب وجود الذكاء الصناعي. كما أن الصديق العزيز فؤاد الفرحان كان قد عبّر نيابة عني وعن الكثيرين في تغريدته المصونة:
قراءة مقال أو تدوينة باسمك، كتبها لك الذكاء الاصطناعي، هو إهانة، كأنك تبصق في وجه القارئ.
— فؤاد الفرحان (@alfarhan) October 25, 2025
لا تكتب إذا كنت لا تعرف، وليس عندك الصبر والاستعداد للخطأ والتعلٌم.
أما إذا كنت تعرف، ولكنك كسلان، فلتذهب إلى الجحيم.
كما أن كل العزاء لنا نحن معشر من يكتب دون توقف، قد حُصِر في في مقالته الحميمية:
أكتب لأن الكتابة تساعدني على صقل الصفاء الذهني. فكرة أو خبر أو ذكرى أو موقف ما يشغل عقلي لفترة زمنية قصيرة أو طويلة، أقرر الكتابة عنها؛ لأن الكتابة تجبرني على التمعّن والتفكير فيها بعمق، وبعد النشر إذا وكأنني أطلقت سراحها، حرّرتها وتحرّرت منها، وأفرغت المساحة التي كانت تشغلها من تفكيري.
أكتب كذلك لشخصي المستقبلي، هناك شعور جميل يتملّكني عندما أعود إلى تدوينات قديمة، وأرى كيف كنت أفكر وقت كتابتها، وكيف صغت فكرة ما بطريقة جيدة. مشاهدة الصور القديمة، ربما تثير بعض مشاعر الحسرة على عمر مضى، أما قراءة تدويناتك القديمة، فتترك رضى وانطباعاً جميلاً عندك عن نفسك.
أكتب للمحافظة على مهارة التفكير والتحليل والصياغة. الناس كلها تستطيع الكلام، القليل هم من يقول كلاماً جيداً بعد تمعن، والنادر منهم من يقوى على تحرير كلامه بإيجاز على شكل نص بديع. هناك ثقة كبيرة تكتسبها في نفسك عندما تتقن الملاحظة والتفكير والتأمل والتحليل، ثم تعبّر عن ذلك بحديث منطوق جميل، ونص مكتوب لافت. إهمال الكتابة سيضعف قدراتك ويعرّضها للتخريب، مثلما أن ترك الرياضة سيضعف جسدك تدريجياً ويعرّضه للوهن.
عندما تكتب للآخرين مستخدمًا الذكاء الصناعي، فإنك - إضافة إلى بصقك في وجههم - ستعزز نظرة الاستنكار لنفسك كلما نظرت للمرآة. وإن لم تعزز ذلك، فالوقت كفيل بتعزيزه لك!
النشرة الإخبارية
انضم إلى النشرة الإخبارية لتلقي آخر التحديثات.
