تخطى الى المحتوى

قول الحمد لله

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف
1 دقيقة قراءة

تدربت مؤخرًا على جملة إيجابية (أصبحت لاحقًا ذات إسقاط تهكمي) وأستخدمها -لا شعوريًا- مع كل المقرّبين من حولي طيلة الوقت وعند أي ظرف، حتى امتعضوا وأبلغوني صراحًة أنها أصبحت مزعجة.

الجملة باختصار هي «قول الحمدلله، في ناس لا يملكون كذا أو كذا..» ولكي أوضح استخدامها، عندما يسألني صديق «لماذا لم تأتي إليَ بالماء الذي طلبته منك؟»، لأرد مباشرًة: «قول الحمدلله أنني نسيت فقط، فهناك أُناس لا يملكون مصدرًا للماء أصلًا» أو عندما يسألني «ألا تعتقد أن ديكور المحل سيء؟» لأرد: «قول الحمدلله، فهناك أناس لا يوجد عندهم ديكور، وآخرين لا يملكون سقفًا فوق رؤوسهم».. وهكذا.

مثل إسقاط وترديد هذه الجملة الكريمة (والتي يفترض بها أن تكون مُطلقة الإيجابية)، وسماعها باستمرار منذ سنٍ صغير من الأهالي أو الكِبار عمومًا قد يقود متلقيها إلى الشعور أولاً بالذنب لأنه لم يحمد الله المستحق للحمد كما يجب، أو الأمر الثاني وهو الأخطر.. بعدم استشعار مفهوم الامتنان والحمد والشكر بعد فترة من تكرار الاستماع لها، لتتحول كلمة «قول الحمدلله» لإيقاع سلبي كثير التردد، دون طعم.

العجيب في الأمر، أنني في كل مرة كُنت استخدمها للرد على أي شيء لأحدٍ من حولي، أُفاجئ بأن الشخص الآخر لا يملك أي تعليق أو ردًا مباشر، ليكتفي بالصمت، وكأن موقفًا سلبيًا قديم قد عاد إلى ذاكرته فجأة، وليُصبح فجأة تذكيري لمن حولي بأُناس آخرين في مكانٍ ما في هذا العالم أقل منهم؛ وسيلة للإسكات عوضًا عن محاولة التبرير أو الإقناع.

شاهدي، أن الامتنان والحمد نِعم حقيقية إن تواجدت ضمن سلوك الإنسان اليومي، وإن تدرب عليها ودرب عليها من حوله بشكلٍ فعّال، فقد يستشعر أن الحمد لله مُستحق ووسيلة حقيقية للصبر على تعاسة الأمور في الحياة، لأن هناك أشخاص فعلًا أقلّ منّا أو يصاحبون مشاكل أصعب من مشاكلنا.

حرصنا على إشعار الآخرين بالذنب مضيعة للوقت، وذا تأثير مؤقت، حتى وإن اقترنت بتذكيرٍ مستمر إيجابي كدعوتهم لشكر الله. لأن الله مستحقٌ للشكر والحمد دائمًا وأبدًا بشكلٍ بديهي. بل أن لدي صديق عزيز، حاول في المرة الأخيرة إقناع إبنه، ٦ سنوات، بأن يكمل وجبته لأن هناك أُشخاص جائعين يتمنون هذه الوجبة، ليرد عليه الصغير «بابا!.. محاولة قديمة، حاول أن تقنعني بشيء جديد».

الجملة بالتأكيد ليست مزعجة، لكن التكرار هو المزعج.

أدام الله نعمكم.. وأدام الله امتنانكم لنعمه.

شؤون اجتماعية

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

اقتراحات يوليو ٢٠٢٤م: بودكاست وكُتب وأماكن

كان من المثير للدهشة بالنسبة إلي، أن اقتراحات يونيو ٢٠٢٤م قد لاقت تفاعلًا من القريبين أكثر من القرّاء، وهذا أمرٌ لطيف في الحقيقة، لكيلا يشعر المُقترِح أنه «يكلم جدار» مع اقتراحاته. عمومًا، لا يمكن أن أُعطي اقتراحات خارجية، قبل أن أحصل على شيء من

اقتراحات يوليو ٢٠٢٤م: بودكاست وكُتب وأماكن
للأعضاء عام

لماذا تطرد برشلونة سُيّاحها؟ (الموضوع أعقد مما نتصور)

ربما يكون أحيانًا تغيُر نمط حياتهم البسيطة بشكلٍ جذري سببًا كافيًا لعدم تحمّل الضيوف!

لماذا تطرد برشلونة سُيّاحها؟ (الموضوع أعقد مما نتصور)
للأعضاء عام

قصة الحادث الذي لم يغيّر حياتي - الجزء الأول

تريدون قصة؟ سأحكي لكم واحدة. كُنت أدرس في المرحلة الثانوية عام ٢٠٠٤م. اتصلت على أحد الأصدقاء (الذين تخرّجوا)، واتفقت معه أن يمر عليَ صباح اليوم التالي ليقلّني من البيت بسيارته في تمام الساعة السابعة صباحًا، في الفترة التي كان فيها معظم من في سني لا يملكون

قصة الحادث الذي لم يغيّر حياتي - الجزء الأول