تخطى الى المحتوى

أزمة كتابة الحقيقة عند العرب

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف

سأبدأ هذه المقالة باعتراف غريب اكتشفته في نفسي منذ مدة وهو: أنني لم أتناول في كتاباتي سوى ٥٠٪ فقط من المواضيع التي تهمني في هذه الحياة.

أجد مثلاً أن الحديث عن الأكل والأمور المعقدة في العلاقات البشرية (كالزواج والصداقة والأبوة وعلاقات العمل وغيرها) وقراءاتي الدينية أو الاجتماعية الحساسة، وبعض المواضيع التي قد لا تهم القارئ فعلاً، هي ما يشغل تفكيري كثيراً كأي إنسان آخر، وبالتأكيد لدي قراءاتي وآرائي فيها!

لم أكتب عنها ببساطة لأنها قد تزيح نظر القارئ الكريم عمّا قد يستفيد منه في بقية ما أكتب (مثل مواضيع العمل والفنون وسيكلوجيا الإنسان)، وقد يشغله الانتقاد أو الرفض الضمني لما سيجده فيها وما صوره له ذهنه عني.

ويؤسفني القول أن لياقتي الذهنية لا تحتمل تبعات الكتابة عنها من ناحية اجتماعية ومهنية أحياناً. وأقول هنا المواضيع التي يهمني أمرها (كإنسان يود أن يكتب عنها) وليس لأهميتها للجميع بالضرورة. فإن كتبت عن الرياضة مثلاً، سيجد المهتم بالأدب أنني أتحدث عن تفاهات؛ والعكس صحيح. ويمكن القياس على ذلك في كل المواضيع الأخرى.

على كل حال، اقتناعي التام بوجود أزمة [صراحة وحقيقة] كتابية في العالم العربي تدفعني لتناول هذا الموضوع على استحياء في مقالة قصيرة كهذه. فإن تطرق كاتب عربي (مسلم على وجه الخصوص) إلى موضوع قليل الحساسية، سيهب المجتمع لمهاجمته (وهشتقته!) وقد يحوله إلى شخص نادم على التفكير في الموضوع قبل كتابته. ويظل المتلقي العربي حتى في عام ٢٠١٧م إنسان شديد الحساسية وشديد العاطفة، وهو مقتنع أنه يعيش في مدينة أفلاطون الفاضلة (داخل عقله فقط) والتي لا تسمح قوانينها بالتطرق لأي مواضيع لا تحمل من الاحترام الطافح والعُرف الشيء الكثير. ناهيك عن حرص الجهات الإعلامية على منع ما يمس الوقار ويرونه يخدش الأدب! … (وأقول يرونه، وليس ما يخدش فعلياً الأدب!).

وإن حصل وتعدى الكاتب المراقب الإعلامي، سوف لن يتعدى أصدقائه المقربين، وإن تعداهم، فلن يحتمل (ربما) الهجوميين من العامة ومن تويتر. وهذه ثلاثة مراحل، إضافةً إلى المرحلة الأخيرة والأكثر صعوبة في رأيي وهي: أهمية أن يكتب أصلاً بالفصحى النثرية السجعية أو الشاعرية ليقنع الكثيرين أنه يستحق الانتباه، أو أن يعترفون به كشخص يكتب. فالكتابة بالعامية حتى وإن كانت حقيقية وأصلية وعلمية موثقة، لن يكون هناك جدية في التعاطي معها، ونظل نركز على الغلاف ونبتعد عن المضمون، كعادتنا في كل شيء!

كل هذه المراحل تحتاج لياقة ذهنية جيدة للتعامل معها، وإلاً سيكون الكاتب مجرد (هلاس) يود أن يكتب أي شيء غير الحقيقة، أو أنه سيكتب بأهداف سطحية تسويقية بعيدة عن هدف الكتابة للكتابة.

مع الأسف؛ كل ذلك لا يتواجد في بيئة الأجانب الكتابية ببساطة.

فالكثير من الصراحة والحقيقة هي ما قد يغير شيءً ما في مجتمعهم المثقف، ولغير المثقفين.

شؤون اجتماعية

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

اقتراحات يوليو ٢٠٢٤م: بودكاست وكُتب وأماكن

كان من المثير للدهشة بالنسبة إلي، أن اقتراحات يونيو ٢٠٢٤م قد لاقت تفاعلًا من القريبين أكثر من القرّاء، وهذا أمرٌ لطيف في الحقيقة، لكيلا يشعر المُقترِح أنه «يكلم جدار» مع اقتراحاته. عمومًا، لا يمكن أن أُعطي اقتراحات خارجية، قبل أن أحصل على شيء من

اقتراحات يوليو ٢٠٢٤م: بودكاست وكُتب وأماكن
للأعضاء عام

لماذا تطرد برشلونة سُيّاحها؟ (الموضوع أعقد مما نتصور)

ربما يكون أحيانًا تغيُر نمط حياتهم البسيطة بشكلٍ جذري سببًا كافيًا لعدم تحمّل الضيوف!

لماذا تطرد برشلونة سُيّاحها؟ (الموضوع أعقد مما نتصور)
للأعضاء عام

قصة الحادث الذي لم يغيّر حياتي - الجزء الأول

تريدون قصة؟ سأحكي لكم واحدة. كُنت أدرس في المرحلة الثانوية عام ٢٠٠٤م. اتصلت على أحد الأصدقاء (الذين تخرّجوا)، واتفقت معه أن يمر عليَ صباح اليوم التالي ليقلّني من البيت بسيارته في تمام الساعة السابعة صباحًا، في الفترة التي كان فيها معظم من في سني لا يملكون

قصة الحادث الذي لم يغيّر حياتي - الجزء الأول