تخطى الى المحتوى

في تأمل تحمّل مسؤولية العودة من الإجازة

القرارات عندما تكون اختيارية تُصبح قرارات، وليست التزامًا قاسيًا

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف
في تأمل تحمّل مسؤولية العودة من الإجازة
Photo by Piero Nigro / Unsplash
💡
«لا شيء يجلب السعادة مثل العقل المنضبط» - بوذا.

كل عام وأنتم بخير بعد الزحمة.

قررت هذا العام اختياريًا أن آخذ شبه إجازة من الكتابة في المدونة في رمضان. هذا القرار رغم وعيي الكلي به، إلا أنه ترافق مع شيء من إحساس التأنيب كالعادة. مثله مثل الكثير من القرارات، أخذته بكامل قواي العقلية متحمِّلًا تبعاته من التنغيص الداخلي.

أعتقد أن هناك شكلًا من أشكال الانضباط العقلي: وهو اتخاذ القرار وتحمّل مسؤوليته.

ينطبق هذا الأمر مع الأسف مع معظم قرارات حياتنا السيئة والمجدية.

القرار هو الجزء الحماسي في المعادلة، والتحمّل هو الجزء القاسي.

ربما يكون قرار جلوسي اليوم على مكتبي مبكرًا وتحمّل نقص النوم وتعطّل ساعتي البيولوجية محاولًا إصلاحها قرار شجاع (على الأقل أمام نفسي)، فمثلي يملك الخيار أن يترك بقية هذه الجملة دون أن تكتمل، ليذهب إلى فراشه البارد. ولكن هيهات! هناك شخص ما في مكانٍ ما في العالم سيكترث بنسبة عشرة بالمئة لظهور هذه المقالة في بريده الإلكتروني، وها أنا أقول له عدت إليك يا صديقي.

سأكون صريحًا بأن أعترف إنني لم أشبع من الإجازة. وقد خضت نقاشًا سريعاً مع أخي العزيز فؤاد الفرحان عن ملاحظته بأن كل من حوله قد عانوا من نفس الشعور؛ لا أحد يريد أن يعود إلى العمل بعد سُبات العيد! وها أنا أضمُ نفسي مع الفريق؛ ورغم ذلك، اتخذت - مثلهم – قرار العودة.

القرارات عندما تكون اختيارية تُصبح قرارات، وليست التزامًا قاسيًا.

حتى وإن كُنت قد ألزمت نفسي منذ وقتٍ طويل بأن ما يجب عليَ القيام به هو في الواقع اختيارٌ-إلزامي.

تحوّلت الكتابة مثلًا من شيء اختياري في حياتي، إلى أمر إلزامي وأخلاقي دون أن يجبرني عليه مخلوق.

وعلى سيرة الكتابة، اكتشفت قبل يومين أن الروائي العظيم ستيفن كينج كان قد حصل على دفعة مقدمة أواسط السبعينيات بمبلغ 400,000 دولار على حقوق روايته الأولى Carrie في عزْ إفلاسه وضيقه المادي، نقلت هذه الدفعة حياته وحياة أمه نقلة نوعية، أسهمت باستقراره المادي مع بداية مشاوره الكتابي المنتظم، والعجب أن هذا الأمر جعله يقرر ألا يترك الكتابة للخمسين عامًا التالية من حياته، بل أن إنتاجه الأدبي وهو اليوم في أواخر السبعينيات من عمره، أكثر من ناحية المعدل مما كان عليه في الأربعينيات. لفتني في القصة، أن الاستقرار المالي خلق منه آلة كتابية لم تتوقف، على عكس ما هو متوقع منه: أن يتكاسل ولو قليلًا، مع محاولة الاستمتاع بما جناه.

تأملت القصة وسألت نفسي: ماذا سأفعل إن وصلت إلى مرحلة الاستقرار المادي التام؟ هل سأخوض جولات جديدة في اتخاذ قرارات الاستمرار بالعمل المهني؟ أو نشاطي في الكتابة؟ سبب هذا السؤال كان إنني أعلم يقينًا أن هناك نزعة داخلي تميل – مع الأسف – للكسل أكثر بكثير من النشاط.

ثم انتقلت إلى سؤال آخر: ما الذي يجعلني اتخذ قرار الاستمرار في الكتابة (مع الأخذ بالاعتبار أن خمسة وتسعين بالمئة من نصوصي الكتابية دون مقابل)؟

وماذا إن استوعبت أن هناك عددًا قليلاً نسبيًا يقرأ لي! وجدت شيئًا من الإجابة في مقالة كان قد كتبها أخي فؤاد بعنوان: لماذا تواصل الكتابة وبالكاد يقرأ لك أحد؟

أحيانًا لا توجد أسباب مقنعة لكل القرارات. لا يوجد سبب مقنع لستيفن كينج بالاستمرار بهذه الغزارة، وهذا الإنتاج المُلهِم سوى قوله في سيرته الفاتنة: «لماذا تفترض أن لدي خيارًا أصلًا؟». وبعد طول تأمل لقراري بالعودة، وقراري للبحث عن انضباط في وقتٍ أعرف أنني غير مُلزم بهذا الانضباط سوى شيء واحد: الشعور بالمسؤولية. هذا الشعور هو أحد الأمور التي تفرق بيننا وبين باقي الكائنات الحية. بل هو الشعور الذي يُحينا. وأسأل الله أن أكون ممت يتّسمون بتحمل المسؤولية.

عندما نقنع أنفسنا أن كل الالتزامات والمسؤوليات هي في أصلها قرارات، سنكون أكثر سلامًا معها، وهي ما تجعل العقل أكثر اتزانًا، الذي يجعلنا أكثر سعادة كما يعتقد بوذا.

وفق الله الجميع في كل القرارات.

عن الكتابة

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

عن التخطيط وما بين اليدين

الفضول والإخلاص لما بين اليدين هي الخطة الأرهب في رأيي حتى اليوم

عن التخطيط وما بين اليدين
للأعضاء عام

زيارة أخرى للكتابة الساخرة

لا تعتبر الكتابة الساخرة بالضرورة كتابة هزلية أو كوميدية كما يعتقد البعض

زيارة أخرى للكتابة الساخرة
للأعضاء عام

عشر مقالات مُختارة من عام ٢٠٢٤م

هل كانت سنة الكتابة الخطِرة؟