تخطى الى المحتوى

عن التأمل

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف

توجد موضة منتشرة في الفترة الأخيرة لدى رواد تطوير الذات والمهتمين في كل ما يتعلق بحياة الإنسان من ناحية تنموية وتطويرية وهي التشجيع على تجربة التأمل اليومي.

وفي الوقت الذي أصبحوا يحاربون فيه الملهيات وضخامة المعلومات التي نتلقاها من قنوات التواصل الاجتماعي ومن الإنترنت، تولد أيضاً تيار آخر يشجع على تقليص هذا الازدحام والفوضة الذهنية للحصول على المزيد من معنى الحياة الأفضل، وذلك عبر محاولات جدية للنظر في حياتنا والتركيز فيها على الأمور الأكثر جودة من السطحية الطاغية (كالتركيز على العلاقات على أرض الواقع أكثر من علاقات الفيسبوك والتواصل على الواتساب، أو بالتركيز على قراءة الكُتب بدلاً من قراءة الأخبار مثلاً).

على كل حال، أنا من الناس الذين يؤمنون أننا نعيش فعلاً فوضى معلوماتية وتشتت غير محدود في تلقي الأخبار والمعلومات (وحتى أحوال الآخرين) من خلال مختلف قنوات التواصل. وأعلم جدياً أن هذه الكثرة أصبحت تزرع فينا حِس إدماني عالي وتسارع غريب لتلقي المعلومات، لتكون نهاية الأمر ليست مُستغلة أو مستفاد منها.

بل أن أضرار الاستسلام لهذه الغزارة من المشتتات أصبحت أكبر بكثير من حجم الفائدة المرجوة منها. وهذا ما يدعوني اليوم لمحاولة التوقف والتساؤل (والكثير أيضاً من محاولات التركيز) على ما هو أمامنا فعلياً من مهام عملية يجب أن تُنجز، أو كُتب تنتظرنا لقراءتها، أو علاقات إنسانية تستحق الانتباه لها على أرض الواقع؛ وأقول المحاولة وليس الإتقان!

تطبيق Calm اكتشفته العام الماضي، اشتركت فيه دون إعطائه ما يكفي من الوقت والانتباه. بدأت قبل أسبوع باستخدامه بشكل منتظم في محاولة لتهذيب نفسي وتعليمها التوقف والهدوء والتفكير والتأمل … أو بالعربي: إقفال مصادر فوضى وازدحام العالم المعلوماتي عبر استخدامه للتدرب على «التأمل» كل يوم بشكل مؤقت.

وعندما أقول التأمل، أقصد بشكل مباشر، تجربة الجلوس على كرسي مريح، إغلاق عيني، والاستماع للمقاطع الصوتية الموجودة في التطبيق والتي تساعدني وتدربني بشكل رائع على التأمل في نفسي مع مراقبة أفكاري، وأيضاً إعطاء نفسي وعقلي عشرة دقائق صمت …

صمت لا يستدعي التفاعل الفوري أو الشعور بأي إزعاج من تواصل شخص أو من استقبال إيميل لم أكن مستعداً نفسياً له. وربما بعد هذا الأسبوع، أجد أن تجربة التأمل (والتي لم تغريني أبداً في السابق) ستصبح جزءاً لا يتجزأ من يومي.

أصبحت لدي كل يوم مهمتين تستغرق مجتمعتين خمسة عشر دقيقة قبل أن أفتح جهاز الكمبيوتر لأبدأ عملي في المكتب. ١. تجهيز قهوة الصباح (الرائحة التي تنتشر تكفي كمردود إيجابي لهذه المهمة)، ٢. التأمل بمساعدة تطبيق Calm لعشرة دقائق.

وبعدها يأتيني شعور لا بأس به أن الدنيا ستكون بخير؛ طالما امتلكت بعض الوقت لنفسي بحرية وبشكل اختياري بعيداً عن الازدحام الذهني. وطالما هناك وجود لشيء جميل وبسيط كالقهوة.

مقالات عن الانتاجية

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

حياتنا فيها معارك وحرب.. ركز على الأخيرة

«ماذا لو كان حلمك أن تصبح مغنيًا؟ فكّر في الأمر – لقد نجحت في حلمك! ولكن أثناء قيامك بجولة حول العالم، سيزداد وزنك، وتصبح مدمنًا على المخدرات، ويصبح زواجك في حالة من الفوضى، ولا يتعرف عليك أطفالك.. لقد ربحت المعركة، ولكنك خسرت الحرب.» – شان بوري ترتبط حياتنا بسلسلة

للأعضاء عام

هل شخصيتك ضد أهدافك؟

هذا الشهر يا أعزاءي شهر الأهداف التي ننسى أننا وضعناها كأهداف! ولا يخرج كاتبكم عن هذه العُقدة كل عام، شأنه شأن كل طموح يحاول الارتقاء بنفسه وحياته إلى الأفضل. على كل حال، منذ عشر سنوات لا تخرج الأهداف عن أهدافٍ متعلقة بالكتابة بالدرجة الأولى بالنسبة إلي. عددُ كلمات أقل

للأعضاء عام

تأملات في انضباط عملي غير مطلوب

«في عام ١٩٥٣م، سافرت في جولة ملكية واحدة أربعين ألف ميل، كان كثير منها عبر السُّفُن. صافحت ثلاثة عشر ألف يد، واستقبلت عشرات الآلاف من الانحناءات. ألقت واستمعت إلى أكثر من أربعمئة خطاب. وكانت هذه مجرد واحدة من مئات الجولات الملكية خلال فترة حكمها. في المجمل، سافرت أكثر