تخطى الى المحتوى

الرجُل المشتت والمرأة المُركِزة

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف

 تعقيبًا على مقالتي الأخيرة (من هي المرأة صاحبة الضمير الصاحي؟) ربما لا يحق لي إبداء الاستغراب إن قلت أن هناك العديد من الرسائل التي شرفتني وطلبت استكمال تعليقي الشخصي وقراءتي حول رأي السيد الكريم (الكاتب الساخر) عمر طاهر عن المرأة صاحبة الضمير؛ فأنا لم أتوقع تفاعل فضولنا للدرجة التي تجعل الكثير من الأصدقاء مشكورين جزيل الشكر، بالتفضل بحمل جوالاتهم وكتابة رسالة لي طالبين معرفة رأيي الذي قد لا يقدم أو يؤخر عن مرأة صاحبة ضمير! وفي الحقيقة ومع الأسف، أنني بالفعل نسيت ما هو تعليقي الذي رسمته على رأيه الذي اقتبسته. ربما لأنني انشغلت وقتها بالأخ الكريم الذي كان يجلس خلفي، وربما لأنني انشغلت بعدها في أمور أُخرى في إجازتي/سفرتي السنوية، والتي استدعت بعض الانتباه. وربما لأن تعليقي لم يكن مثيرًا بما يكفي لي شخصيًا بقدر الاقتباس نفسه. عمومًا تأتي الأمور المهمة دومًا لحدِنا في وقتها المناسب.

ندخل في موضوع اليوم (بعد المقدمة التالية) …

أسعى مؤخرًا للتركيز على إبداء رأيي الشخصي -عندما أكتب- بطريقة فكاهية حول الكثير من المواضيع الجدية، وأعتبر هذا الأمر فيه نوع من الهروب عن دعم ما أكتبه بمصادر علمية أو موثوقة والتي لا أتنازل عنها أبدًا في كتابة الكُتب، أو ربما كان هذا الأمر نوع من الكسل في رغبتي بعدم التبحر وفرط السبحة على مقالة فيها بضعة مئات من الكلمات، ولذا أحاول أن أستبدل الجدية القصوى بنوع جديد استهواني (على الأخر) من الكتابة، وهي الكتابة الساخرة، والتي أظهرت إعجابي الشديد بمفهومها. ولا أُخفي نيتي الجدية باحترافها. فلا يوجد شيء جدي مثل السخرية قد يتحدث عن الحقيقة وما يراه الإنسان في نفسه وفي هذه الحياة، ولا يوجد -من وجهة نظري- في أحيان كثيرة شيء مثل السخرية أكثر عمقًا لقراءة الحياة والناس. أو كما قال جان راسين «الحياة كوميدية لمن يفكر، ومأساوية لمن يشعُر»، وأرغب بكل وِد أن أكون مع أصحاب الفِكر، وبالتأكيد لا أريد أن أكون مثل أصحاب الخواطر (الطافحين) في المكتبات وصفحات التواصل.

يُصاب معظم الرجال بتشتت كبير قبل أي محاولات ارتباط، يقفون أمام أنفسهم ويسألوا الأسئلة التالية «هل أستطيع التعاطي مع المسؤوليات؟ هل أستطيع أن أتعامل مع مخلوقات صغيرة في حياتي؟ هل أستطيع تحمل أي نفقات غير متوقعة وغير مقتنع بها أصلًًا؟ هل أستطيع أن أكمل حياتي بمستوى حرية أقل (أو دون حرية لأسوأ الظروف)؟ ماذا عن السفر؟ جلسات الأصدقاء؟» وغيرها الكثير من الأسئلة، وطبعًا، أتحدث هنا عن الرجال الواعيين، دون ذِكر محركات الارتباط غير المُعلنة (والتي يفهمها القارئ اللبيب). ودون إعطاء الاعتبار للضغوط الأخرى مثل العمر والوالدين وغيرها من أوجاع الرأس.

وبمجرد استكمال كل أو الجزء الأكبر من هذه الأسئلة في بال الرجل، أستطيع الادعاء بأنه سيكون أكثر استعدادًا للارتباط أو لخوض مغامرة عاطفية بوعي أكبر من الرجل العادي. ما يحصل بعدها أن الرجل يكتشف بأن كل هذه المخاوف والأسئلة أمور يستطيع التعاطي معها وتصبح جزءًا لا يتجزأ من حياته، وتتحول من مخاوف وقلق لروتين اعتيادي.

ما هي النتيجة إذًا؟ … يتحول إلى إنسان أقرب إلى الطفل (ولا أريد أن أقول البهيمة) ذو متطلبات واضحة وصريحة ومعروفة لاستكمال بقية حياته: أكل، نوم، جنس، تركه في حاله، المزيد من التركيز لجلب المال … وأطفال. وكلما زادت هذه «الماديات» في حياته، كلما زادت احتمالية سعادته. والمرعب هنا، أن طلبات الرجل تظل واضحة في ارتباطه ومعروفة حتى وفاته. وأي مساس فيها يعد مساسًا في تكوينه، يستطيع استكمال حياته بهدوء ودون منغصات جذرية في حياته مهما زادت المصائب عليها إن توفرت هذه الماديات.

يُصيب هذا الوضوح المرأة بحالة معاكسة أحيانًا. فهي إن كانت مُركِزة .. فهي مركزة قبل الارتباط في فكرة الارتباط فقط!

ومع الأسف، تُصاب الكثير من الآنسات بحالة من عدم الرضا الذاتي مع تقدم العمر إن نقصها «الارتباط» في المعادلة، حتى وإن اكتملت كل جوانب حياتها الباقية. في حين أن الرجل لا يأبه كثيرًا بمسألة العمر والارتباط بإنسانة واحدة قبل الارتباط. تتحول الآنسة إلى إنسانة مشتتة قليلًا بعد ارتباطها (بأي ثمن مع أي شخص) وتسأل نفسها: «هل كان بالفعل هذا الأمر يستحق كل هذا العناء؟ ماذا بعد الارتباط؟ هل هو هذا الشخص المناسب بالفعل؟ ماذا عن المستقبل المهني؟» وغيرها من الأسئلة الأخرى، طبعًا في الحالات التي لا تستسلم فيها لحياتها الجديدة بعد الارتباط.

وأعتقد جديًا أن الآنسات لا يأبهون كثيرًا بكل المحركات المادية والمعلنة وغير المعلنة في حياتهم بقدر تركيزهم المعروف على أمرين لا ثالث لهما: الاستقرار العاطفي والأمومة. وهي آخر اهتمامات الرجل الذي يبحث عن غطاء لسيفه.

ودون أي افتآت خارج الصندوق، ربما أجد أن البحث للجنسين قبل التركيز وبعده يجب أن يتركز على السلوك وليس المشاعر، فإن كان سلوك أحد الأطراف مقبولًا لدى الآخر بشكل قوي، فإن كل أمرٍ آخر سيكون بسيطًا بعدها. المشاعر تتغير، ويذهب البحر بزبده في العلاقة، ويبقى الأصل.. الأصل هو السلوك.

 

 

شؤون اجتماعية

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

اقتراحات يوليو ٢٠٢٤م: بودكاست وكُتب وأماكن

كان من المثير للدهشة بالنسبة إلي، أن اقتراحات يونيو ٢٠٢٤م قد لاقت تفاعلًا من القريبين أكثر من القرّاء، وهذا أمرٌ لطيف في الحقيقة، لكيلا يشعر المُقترِح أنه «يكلم جدار» مع اقتراحاته. عمومًا، لا يمكن أن أُعطي اقتراحات خارجية، قبل أن أحصل على شيء من

اقتراحات يوليو ٢٠٢٤م: بودكاست وكُتب وأماكن
للأعضاء عام

لماذا تطرد برشلونة سُيّاحها؟ (الموضوع أعقد مما نتصور)

ربما يكون أحيانًا تغيُر نمط حياتهم البسيطة بشكلٍ جذري سببًا كافيًا لعدم تحمّل الضيوف!

لماذا تطرد برشلونة سُيّاحها؟ (الموضوع أعقد مما نتصور)
للأعضاء عام

قصة الحادث الذي لم يغيّر حياتي - الجزء الأول

تريدون قصة؟ سأحكي لكم واحدة. كُنت أدرس في المرحلة الثانوية عام ٢٠٠٤م. اتصلت على أحد الأصدقاء (الذين تخرّجوا)، واتفقت معه أن يمر عليَ صباح اليوم التالي ليقلّني من البيت بسيارته في تمام الساعة السابعة صباحًا، في الفترة التي كان فيها معظم من في سني لا يملكون

قصة الحادث الذي لم يغيّر حياتي - الجزء الأول