عن المنفتح الذي يصبح محافظًا عندما يكبر
إن كانت طُرق الطبخ تتغير. فمن الأجدى أن تتغير أهم قناعات الإنسان في حياته.
لا أعلم عن حال الأغلبية فيما يخص القناعات الاجتماعية والدينية. إلا إنني مؤمن بأن الإنسان السوي والطموح والذي بحاول دومًا أن يرتقي بنفسه، يتغير طيلة الوقت وعبر السنين. وفيما يخص تحوّل القناعات، أشار إلى هذا الموضوع بسجيّته المعتادة الملاكم المعروف مايك تايسون بقوله:
«في مرحلة الشباب كنت لبراليًا طول الطريق، وعندما بدأت أكبر في السن وأشاهد أطفالي يكبرون، تحولت إلى إنسان محافظ. وهذا أمرٌ بديهي».
بسبب هذا الموضوع تحديدًا. أصبحت لا أسعى أن أكون عنيفًا تجاه القناعات التي أتبنّاها. نعم، من الممكن أن أستمتع قليلًا بالنقاشات الاجتماعية الخاصة، وشيءٌ من الجدال - بهدف الإثارة وليس الإقناع - إلا إنني أكثر من أي وقتٍ مضى، ألاحظ أن هناك العديد من القناعات التي بدأت بالتبدل. أميل أن أكون محافظًا في أمور كثيرة، وغير متمسكًا بالانفتاح الذي كُنت عليه.
لن تجد نفس الإجابات لنفس الأسئلة إن سألتني إياها قبل عشر سنوات!
ألقي نظرة على صور آبائك وأجدادك فترى الشباب، ربما ستتفاجأ بحجم الشعور الطويلة، والسلاسل والملابس والهيئات المضحكة. قم بوضع هذه الصور أمام أشكالهم الحالية، ستكون وكأنك تنظر إلى أشخاص من كواكب مختلفة.
جرب وأسألهم عن قناعاتهم (أيًا كان نطاقها) وأسألهم عمّا تغير منذ ذلك الوقت، ستكتشف أن الفارق فارقٌ بين الأرض والسماء. بل وحتى في الأمور التافهة، ستشهد شيئًا من العجب!
تحكي لي والدتي قصة مضحكة كانت قد حصلت قبل أكثر من أربعين عامًا، عندما قررت العائلة الذهاب لزيارة سياحية إلى مدينة الطائف، وتولّت إحدى خالاتي مهمة الطبخ، وحيث كانت الطبخة الرئيسية هي «ملوخية» مع الأرز. أخرجت قِدر الضغط من الكيس، وعرّفتهم عليه وعن قدراته الخارقة في طبخ الأكلات في وقتٍ قياسي، وستقوم بتجربته في طبخ الملوخية. وهذا الأمر لم يعجب والدي - رحمه الله - والذي كان حساسًا وتقليديًا في أي شأن يخص الأكل.
بعد سلسلة من الجدال بينهما الذي بدأ بمحاولته إقناع خالتي (قوية الشخصية) عن عدم طبخ الأكلة في قدر الضغط، وتمسّكها في رأيها هي الأخرى تجاهه. قرر رحمه الله تصعيد الأمر بترك المدينة كلها والعودة إلى جدة، دفاعًا عن رأيه وكرامته.
الشاهد ليس هنا.
بعد أسبوعين، دخل والدي إلى البيت وهو حاملًا قدر الضغط، وأخبر والدتي أن هذا القِدر يستطيع أن يختصر عليها الكثير من الجهود، وسيستغرق نصف الوقت في طبخ اللحوم بعد أن أقنعه البائع بذلك. ضحكت والدتي عليه وذكّرته برحلة الطائف، إلا أن رجولته وكرامته (ككل الرجال) آثرت عدم سماع هذا التذكير. ومنذ ذلك الوقت لا نزال نطبخ في قدر الضغط حتى اليوم.
إن كانت طُرق الطبخ تتغير. فمن الأجدى أن تتغير أهم قناعات الإنسان في حياته.
النشرة الإخبارية
انضم إلى النشرة الإخبارية لتلقي آخر التحديثات.