تخطى الى المحتوى

الإنسان عدو ما يجهل

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف
الإنسان عدو ما يجهل
Photo by Daniel Tafjord on Unsplash

في أواخر يوليو ٢٠١٤م، كان الأمريكيان «كينت برانتلي» و«نانسي ريتبول» قد أُصيبا بڤايروس «إيبولا» وهما في مهمة طبية غرب أفريقيا تتعلق ببحثهما حول الفايروس. قامت الولايات المتحدة (بإشراف الرئيس الأمريكي أوباما آنذاك) بإرسال طائرة إخلاء طبي لنقلهم إلى الولايات المتحدة لاستكمال العلاج في أسرع وقت، وتقديرًا لجهودهم المهنية.  ما حصل وقتها، أن بعض الصحف أساءت ذكر الموضوع، لتظهر بعض المانشيتات في اليوم التالي تقول: «إيبولا وصل إلى الولايات المتحدة!».

استقبل هذا الخبر رجل الأعمال «دونالد ترمب»، واستلم الجمهور بسلسلة بتغريدات حادة يحذّر فيها استقبال مرضى «الإيبولا» في الولايات المتحدة، وقد كتب نصّيًا في تغريدته الأولى:

“Stop the EBOLA patients from entering the U.S…. THE UNITED STATE HAS ENOUGH PROBLEMS!”

«أوقفوا مرضى الإيبولا من الدخول إلى الولايات المتحدة، فالولايات المتحدة تملك ما يكفي من المشاكل».

كانت غزارة تغريدات «ترمب» على مدى الأشهر التالية مزعجة للمسؤولين في هذا الشأن، ويُخيل إليَ أنه تحمّس مع الخبر الخاطئ بالطريقة الخاطئة باندفاع كبير.. وكأن ما كان ينقصه مستشار ما يخبره «سيدي.. هدئ اللعب رجاءً»، قاد ذلك الاندفاع نائبة مستشار الأمن القومي للرئيس أوباما «آمي پوپ» للتعليق: بأن ما يفعله ترمب (وهو على بعد أشهر من قراره للترشح للرئاسة الأمريكية) ما هو إلا ابتكار لقلق جديد ينشره أمام المليونين ونصف متابع له على تويتر!

وفي أواسط شهر مارس ٢٠٢٠م، صرّح الرئيس الحالي للولايات المتحدة بأن «الفايروس [يقصد كورونا] لا يملك أي فرصة ليفتك بنا»، ومع عدة تصريحات تهكّمية أخرى منه في الإعلام بأن العالم قد بالغ في ردة فعله تجاه هذا المرض الذي لا يتجاوز في خطورته الإنفلونزا العادية، هذا ورغم تفاعل ومناشدة الكثير من الجهات الرسمية للتعامل بشكل جدي أكبر مع هذه المصيبة، في ظل أن الولايات المتحدة (بجميع ولاياتها) قد قامت بعمل ١٣،٠٠٠ فحص رسمي للفايروس منذ يناير ٢٠٢٠م حتى تاريخه، بينما دولة مثل كوريا الجنوبية تمثل أقل من سُدس الولايات المتحدة تقوم يوميًا على الأقل بعمل ١٠،٠٠٠ فحص رسمي للفايروس لمواطنيها والمقيمين.. يوميًا.

وأخيرًا، قررت الولايات المتحدة نشر حالة الطوارئ، وأخذ الموضوع بجدية قصوى قبل كتابة هذه السطور بأيام.

*****

شخصيًا.. أقوم بالكثير من التصريحات والتصرفات الاستفزازية من فترة لأخرى أمام أصدقائي، كأن أخبرهم أنهم فاشلين في لعبة ما، أو أنني سأكسّر رؤوسهم في صكة البلوت القادمة؛ الغرض منها تهييج المشاعر وإضفاء بعض الإثارة، وأقوم بنفس الشيء عندما ألعب لعبة «الفيفا» مع أبناء إخوتي. تعطيني هذه التصرفات وقتها نوع من الدافع والتحدي الخفي والإحساس بالأدرينالين وهو يسير في جسدي. أستمتع جدًا بروح التحدي التي تظهر في الشخص الذي أمامي. كل ذلك في سبيل محاربة الملل، مع التنبه بشكل واضح بأن احتمالية خسارتي واحتمالية وجود ردة فعل عنيفة من أصدقائي موجودة.. إلا أنني لا أمانعها إطلاقًا، فهي في النهاية جزء من تركيبة الإثارة والحماس. وفي النهاية لا تخرج عن كونها في إطار الألعاب بين أقرباء وأصدقاء.

شاهدي، أنني في تلك اللحظات أنا على وعي كامل وإلمام بتصرفاتي. وبالطبع لا أقوم بنفس الأمر إن تعلّق بشيء حول أسرتي أو بناتي أو مالي. فالتصريحات والتصرفات هناك محسوبة، ولا تتحمل إلا أقصى مستوى من الجدية.

عدم الاندفاع بالاستفزاز أو بالتصريحات أو بالتصرفات السيئة أمام الأمور المهمة سببه جهلي بالنتائج. فمن الأجدى لي الصمت والترقّب والتعامل بجدية، على أن أصبح عدوًا لما أجهله بما أقول.

كان الله في عون الجميع.


المصدر:

سيكلوجيا الإنسانشؤون اجتماعية

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

عن العيش كشخص عادي في المنتصف

أحد أصدقائي العزيزين والمسؤولين في شركة «المحتوى» في البودكاست أخبرني الجملة التالية: «أداؤك عادي، ولا تملك قبولًا كبيرًا كمستضيف». لم يقل أداؤك سيئ، ولم يقل أداؤك خارقاً للعادة، قال بما معناه: «أنت مستضيفٌ عادي». «العادي».. هو شكل معظم حياتي. وهو موضوعي اليوم. وُلدت أصغر إخوتي، ولكنني اعتدت

عن العيش كشخص عادي في المنتصف
للأعضاء عام

عندما فقدت ابني سألت نفسي: لماذا نحن هنا؟

مقالة ضيف

عندما فقدت ابني سألت نفسي: لماذا نحن هنا؟
للأعضاء عام

لا يسأل المدربين لاعبيهم: ما الذي تشعرون به؟

هل يكون التعبير المفرط عن المشاعر واليقين بسوء النفسية (خصوصًا لدى اليافعين) مفيد، بنفس القدر الذي يجب فيه أن يحاولوا أن يتجاهلوه بالانسجام مع مسؤوليات حياتهم اليومية؟ لا نجد في عالم الرياضات التنافسية أن المدربين حريصين على استكشاف مشاعر متدربيهم بنفس القدر على حِرصهم لإنجاز جلسة التدريب التالية،

لا يسأل المدربين لاعبيهم: ما الذي تشعرون به؟