لماذا نُقدِّر جهودنا أكثر من جهود شريكنا؟
«لماذا يكون حجم المجهود الذي نبذله دومًا أكثر من ١٠٠٪؟ لأنه دائمًا ما يكون أكثر وضوحًا لنا. دائمًا ما نرى تفاصيل الأعمال التي نقوم بها عن كثب؛ لكننا في المقابل لا نرى التفاصيل التي يقوم بها شريكنا (في العمل أو في المنزل). الوضوح في حياتنا غير متناسق.
إذا قمنا بتنظيف الأرضيات، سنلاحظ كم هي نظيفة بعدها، سيظهر لنا حجم المجهود الذي بذلناه، لكن إن قام أحدٌ غيرنا بذلك، قد لا نلاحظ أن الأرض أصبحت أنظف من ذي قبل. نسترجع بعدما نقوم بهذا العمل قيامنا برفع سطل الغسيل، والتنظيف باستخدام الكرّافة خطوةً بخطوة، لكننا لا نرى أن شريكنا قد قام بذات الأمر إن قام به. حتى أن هذه الحالة تنطبق على غسيلنا للصحون أو حينما نضعها داخل الغسّآلة قطعة قطعة. إذًا، هل من المعقول أن نقول بعمل عرض «برزنتيشن» لشركائنا كل شهر نستعرض فيه جهودنا ليقدّرونا؟ أو نقوم (مثلاً) باستعراض الفواتير التي دفعناها للبيت؟.. أم أننا يجب أن نركز على عُمق العلاقة بشكل مستمر، لتكون بالفعل قيمتنا أكبر أمام شريكنا…»
كان هذا الاقتباس -المترجم- من كتاب Dollars and Sense للكاتب Dan Ariely وزميله Jeff Kreisler والذي تحدثوا فيه عن منطق العامة وأحاسيسهم تجاه المال. إلا أن هذه الفقرة (بعيدًا عن موضوع الكتاب) بالتحديد كانت قد استوقفتني فيما يتعلق بتقدير مجهوداتنا مقابل شركائنا. يميل أحد الشركاء دومًا إلى تقدير جهوده أكثر، لأنها ببساطة كانت أوضح له، وهذا ما يُنتج دومًا جدلًا لا ينتهي عند أي اختلافات تظهر على السطح بين شركاء المنزل وشركاء العمل. فتجد أحدهم يستعرض تضحياته وأتعابه التي صرف عمره عليها، في مقابل عدم قدرته على الإنصات للجهود المبذولة (ربما بنفس المقدار) من الطرف الآخر، والعكس صحيح.
تأتي قيمة التقدير واستشعار جهود الآخرين هنا كأولوية لاستمرار الحياة بسلام، فمثلما نستطيع أن نرى جهودنا الصغيرة والكثيرة والمتناثرة، وجدت أنه من الأجدى أن نتبنى نفس هذه الرؤية لرؤية نفس الكم من الجهود المصروفة من قِبل الآخرين.
هذا الأمر لا ينطبق على الشريك وحسب، بل على الكثير من الآخرين حولنا..
مثلًا، لا أُنكر أبدًا أنني شخصيًا احتجت لبعض الوقت لتقدير جهود عاملتنا المنزلية القديرة (رُقية) والتي دائمًا ما أقول لزوجتي عنها تعبيرًا عن إعجابي وتقديري لما تقوم به في البيت، أنني أُفكِّر بأن أضعها في وصيتي ضمن الورثة. وكان السبب خلف هذا التقدير أنني التزمت بإدارة شؤون المنزل لفترة بسيطة مع رعاية بناتي لوحدي، وبالفعل كان هذا الأمر غاية في الصعوبة، رغم أنني لم أجدها ولو لمرة واحدة تشتكي. عكس ما قمت به من إمطار زوجتي بحجم شكاوى وتعبيرات حانقة بمجرد قيامي بعمل مجهد يتيم لبضعة أيام نظرًا لسفرها. والتي كانت هي الأخرى تتولى شؤون المنزل لسنوات قبلها.
عندما أتطرق دومًا لقياس الجهود، تقودني تلك الفكرة التي تقول بأن واقع الحياة يتطلب بطبيعة الحال الكثير من الجهود المستمرة وغير المنقطعة، ودون وجود هذه الجهود ستصبح الحياة دون طعم أو هدف. فعندما أقوم بتنظيف أرضية المنزل أو عندما أقوم بكتابة كتابٍ ما، فهناك قيمة خلفه تجعلني أبحث عن المزيد من التقدّم، بغض النظر عن أهمية العمل نفسه. فبالتأكيد أود أن يجلسوا بناتي على أرضية نظيفة، وبالتأكيد أود أن أُغير الآخرين من خلال استعراض أفكاري لهم من خلال حِرفة الكتابة، دون انتظار التقدير من أحد (على الأقل بشكلٍ مباشر).
ما يمكن الخروج به من فكرة المقالة في نظري يتلخص في كلمتين: الاستشعار والتقدير. ودونهما لا يمكن لنا إلا رؤية ما نقوم به نحن، وكأن الآخرين خُلقوا بديهيًا لخدمتنا.
صحيح أن استشعار أتعاب الآخرين قد لا يكون بنفس الدقة في بيئة العمل، إلا أن السؤال التقليدي الأهم الذي يجب أن يُسأل تجاه تبرير أتعابنا أمام زملاءنا ورؤساءنا هو: هل تستطيع العيش من دوني في العمل؟ وإن كانت الإجابة نعم، فالأفضل للجميع أن أبحث عن مكانٍ آخر أصرف فيه تعبي ومجهودي، عوضًا عن البحث عن التقدير.
النشرة الإخبارية
انضم إلى النشرة الإخبارية لتلقي آخر التحديثات.