تخطى الى المحتوى

كيف تُصبح ثريًا في العيد؟

لا تجعل الإعلام يغرر بك. العائلة والأصدقاء والأحباب هم الأولوية

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف
3 دقائق قراءة
كيف تُصبح ثريًا في العيد؟
Photo by Janosch Lino / Unsplash

أكتب هذه المقالة قبل غداء أول أيام عيد الأضحى المبارك ١٤٤٥هـ.

خلال ساعة ستأتي أحد أخواتي التي قررت مع زوجها وأسرتها أن يأتوا مبكّرًا قبل البقية بدافع الحماس. وثم ستلحقهم بقية الأسرة من جيلي (الجيل الثاني)، ومعهم أبناء الجيل الثالث، وأبناءهم من صف الجيل الرابع. وسيستقر الغداء على طاولة الطعام حول الساعة الخامسة عصرًا.

سأعترف أن المزاج العليل واستحضار أجواء العيد هي التي قادتني لكتابة هذه الكلمات (كمقالة ثانية تُنشر في يوم واحد)، التي وجدت بعد تفكير مطوّل أن لا مناسبة؛ ولا شيء يستحق أن يُكتب عنه اليوم، مثلما يستحق أن يُكتب عن العيد، مع بعض التأملات.

الأحفاد

أعطيت والدتي قبل أيام معلومة لم تصدّقها. اضطررت معها للجلوس للإسهاب في الشرح، وهي: أنها تمتلك من الأحفاد اثنان وأربعين حفيدًا.

هي الأساس، وهم الفروع لها.

استطعت إقناعها بعد أن ذكّرتها أن أبناء وبنات إخوتي أنفسهم لديهم أطفال (يشكّلون كما قلنا الجيل الرابع)، وعددهم حتى كتابة هذه السطور هو: ستة عشر. ويعدون ضمن حسبة الأحفاد بطبيعة الحال.

أنا الابن الأصغر بين ستة أشقاء من أم واحدة وأب واحد (ولدين وأربعة بنات).

دائمًا ما كن والدي – رحمه الله – يقول: «لدي ثروة كبيرة»، يقصد فيها أسرته وأحفاده، وعلاقاته الحميمية الممتدة داخل وخارج المملكة. وشاهدي من مقالة اليوم ليس استعراض الهرم الأسري بالتأكيد، ولكن شيئاً آخر.

كانت والدتي في فترة صباها تعمل (فري لانسر) خيّاطة. تخيط الفساتين والملابس لمجتمعها الصغير. كما تنقّل والدي في عدة وظائف، آخرها كان في مؤسسة النقد، حتى تقاعد مبكّرًا عن العمل عام ١٩٩٢م. لننتقل من الرياض لمدينة جدة.

هذه المعلومتين المهنية، لا يعرفها أيًا من الأحفاد من الجيل الرابع، ولا بعضٌ أحفاد الجيل الثالث.

لا أحد فيهم يملك أدنى فكرة عن الأعمال والتنقلات الوظيفية التي عمل بها والدي، ولا أحد منهم يعلم كيف كانت جدّتهم (أو ستّهم) تقضي فترات الفراغ في صباها أو ماذا كانت تعمل. هم يعرفون شيئًا واحدًا فقط، أنهم يحبون «ستّهم وسيدهم»، ويحبونهم في المقابل. لا أعرف إلا عيدي فِطر فقط قضيتهم خارج المدينة المنورة، وقد كانا عامين: ٢٠٢٠ و٢٠٢١م (قضيتهم في ميامي بسبب ظروف الجائحة). وغيرهم طوال سبعة وثلاثين عامًا، لم أجرب أن أكون - اختياريًا - خارج دائرة الأسرة أو في مدينة جدة أو المدينة المنورة. أستوعب مع كل هذه السنوات أن لا شيء يعادل قيمة الأسرة والأصدقاء المقرّبين.

لا تجعل الإعلام يغرر بك. العائلة والأصدقاء والأحباب هم الأولوية.

المهنة والعمل والوظيفة، كلها أشياء مهمة، إلا إنها ستُركن في الزاوية إن وضعناها ضمن مقياس الأهمية في حياة الإنسان. أكتب هذه الكلمات بعد أن نشرت قرابة الألف مقالة وستة كتب، وحصلت على جائزة من وزارة الثقافة، وبعد أن أسهمت بتأسيس شركة ناجحة قوامها خمسون موظفًا. أرجو ألا أُفهم أن كل ما ذكرته للاستعراض، بل لأخبر القارئ الكريم أن لا قيمة لهم إن لم يملك الإنسان دائرة حميمة من الأسرة والأهل والأصدقاء. صفر. لا قيمة.

لا معنى من هذه الحياة إن لم يكن هناك من نهتم بهم أكثر من اهتمامنا بأنفسنا. أنا على استعداد أن أمسح كل شيء كتبته غدًا، وقد جربت أن أخسر كل قرش سابقًا، أو أن أفض الشراكة. وبإرادة ورحمة المولى ربما سأستطيع أن أبدأ من جديد. لكن لن أضع الأهل والأصدقاء والأسرة في المقياس نفسه من التضحية، فوجودهم لا يقدّر بثمن.

إن كنت في العشرينيات أود أن أخبرك أنه مهما كانت مشاغلك في الحياة، ومهما علت طموحاتك المهنية وشهاداتك، فإن الأولوية يجب ألا تتعارض مع علاقاتك مع أحبائك. وإن كُنت مثلي في الثلاثينيات أو الأربعينيات، فسأضغط عليك قليلًا لأشجّعك للعودة والتركيز لما هو أهم. وإن كُنت من المحظوظين بامتلاكك عائلة وأصدقاء محبين، فإنني سأخبرك أنه وبعد عمر معين، لن تعرف الأجيال القادمة الكثير عن أتعابك المهنية وطموحاتك، بنفس القدر من معرفتها بلطفك ووجودك وقربك.

أعاتب أصدقائي كثيرًا عندما «يسحبون» على المناسبات الاجتماعية. خصوصًا الأعياد، ولقاءات الأسرة الدورية الأسبوعية. ويعلم المقرّبين أنني شديد الحرص في تلبية جميع أنواع الدعوات القريبة والبعيدة، الرسمية وغير الرسمية، ولا أمانع السفر لها أبدًا، لاقتناعي أن أهميتها ستنعكس لمستقبٍل أفضل لي وللداعين في علاقتنا وحميميتنا، ناهيك عن استمتاعي الحقيقي بها.

يظل الإنسان كائناً اجتماعي مهما ادّعى العزلة وحبّه لها، سيظل يلجأ إلى أحبابه، ويستظل بظلالهم؛ طال الزمن أو قصُر. ولذا، سيكون من الأجدى أن يتسلح الإنسان بولاء خالص لمحبيه، فهم السند، وهم الرحمة، وهم قيمتنا المتصلة على هذه الأرض.

وإن كنت من غير المحظوظين في التواصل الأسري وفي تواصل الأصدقاء، أقترح أن تبدأ بالمبادرة. ابدأ بدعوة الجميع بشكلٍ أسبوعي، ابنِ عادة لقاء منتظم. مع أسرتك ثم مع أصدقائك، وعلّم أبناءك أهميتها القصوى، ولا تترك مجالًا لانسحابك أو انسحابًا تكتيكيًا للآخرين. يمكنك أيضًا تقاسم أعباء الوجبات والدعوات معهم دون حرج، لن يعاتبك أو يتضايق منك أحد. وبعد أن تنجح في هذا الأمر، اشكرني لاحقًا.

كل عام وأنتم بخير.

شؤون اجتماعية

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

عن العيش كشخص عادي في المنتصف

أحد أصدقائي العزيزين والمسؤولين في شركة «المحتوى» في البودكاست أخبرني الجملة التالية: «أداؤك عادي، ولا تملك قبولًا كبيرًا كمستضيف». لم يقل أداؤك سيئ، ولم يقل أداؤك خارقاً للعادة، قال بما معناه: «أنت مستضيفٌ عادي». «العادي».. هو شكل معظم حياتي. وهو موضوعي اليوم. وُلدت أصغر إخوتي، ولكنني اعتدت

عن العيش كشخص عادي في المنتصف
للأعضاء عام

عندما فقدت ابني سألت نفسي: لماذا نحن هنا؟

مقالة ضيف

عندما فقدت ابني سألت نفسي: لماذا نحن هنا؟
للأعضاء عام

اقتراحات أغسطس ٢٠٢٤م: ألذ مطعم لحم أوصال في العالم

مطاعم: * قبل ثلاثة أسابيع، شرّفنا أخيرًا أحد أبناء إخوتي الذي يزورنا بشكلٍ موسمي كل ثلاثة أشهر، في اجتماع العائلة الأسبوعي. وحكى لي القصة التالية: اقترح عليه صديقه أن يزوروا مطعماً يقدّم ألذ لحم أوصال في العالم، وموقعه في مدينة جدة، خلف سوق الشعلة، اسمه «مشويات بيت الشهباء»

اقتراحات أغسطس ٢٠٢٤م: ألذ مطعم لحم أوصال في العالم