تخطى الى المحتوى

مع كل سنة ينقص حرصك على الإبهار

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف

… آآه لو يستوعب قارئي الكريم كم يشغلني هذا المفهوم.

صرفت صباح اليوم -على غير العادة- في متابعة لقاءات المرحوم الكاتب العظيم أحمد خالد توفيق، وحياته التي تجاوزت أكثر من ثلاثين سنة مع الكتابة. تحدث مع عمر طاهر مؤخرًا على عِدة مفاهيم في هذه الحياة كانت متعلقة بمهنته في الكتابة، وشدني حديثه على حرص الكثير من الكُتّاب على «الشعبية» أو المزيد من الشهرة، دون التركيز على «كتابة جُمل مزبوطة!»، وحول هذه النقطة بالتحديد يدور الكثير من الجدل، والعديد من الزوايا التي تستحق كل واحدة فيها مقالًا أو سردًا متفرد به. لكن شاهدي اليوم بعيدًا عن الكتابة .. أود أن أشتكي قارئي العزيز ظلمتي مع مفهوم «الإبهار» أو محاولة إبهار الآخرين في حياتنا وشبابنا الذي ينشغل به.

ربما القليل من تقدم السن (رغم أنني حديث الدخول للثلاثين) يعطي مؤشرًا جيد بأن إبهار الآخرين متعب ماديًا ومرهق نفسيًا للدرجات التي تستدعينا أحيانًا للانشغال بها عن المتعة الحقيقية؛ والتي تختفي ببساطة عند محاولة إبهار أحد ما.

الصراع المستمر داخل عقل الشاب هو الذي يجعله يدمن التواصل الاجتماعي وحرص الظهور فيه. ويدمن الأخذ بالتضحيات المادية، ويدمن بشكل سلبي أكبر تبني المشاعر التي لا تتحرك إلا من خلال عيون الآخرين أمر حقيقي، وهذا الصراع بالتأكيد ليس تنظيري، أو كما هو مكتوب الآن على هذه الصفحة.

كنت أتساءل: هل التزامات الإنسان مع تقدمه في السن هي الدافع الذي يجعل أحدنا لا ينشغل بالإبهار؟ أم هي الظروف المادية التي تكسر هذا الطموح المزيف؟ .. وإن كان أحد الإثنين. أين هي القناعة المجردة .. القناعة التي تقول لنا فقط: «اكتفي بنفسك وبما لديك، ولا تنشغل بإبهار الاخرين!».

وأتساءل مرة أخرى: لماذا يستدعي هذا المفهوم كل هذا الجهد لكي نقتنع به أصلًا، أو لأكتبه الآن وهنا؟ ..

الحقيقيين حولنا من الأصدقاء والأهل لا يسعون للانبهار بنا بالتأكيد! .. وحتى إن كان طموح أحدنا مثلًا بأن يجعل أباه أو أمه يفخرون به، فالفخر بالتأكيد ليس إبهار!

الإبهار مؤقت ومزيف. ومخيف.

يرفع كل التوقعات عليك، ويحطمك حتى الأخير إن لم تستطع الاستمرار فيه.

أعلم جيدًا أن مؤشره ينقص كثيرًا مع السن، أو هكذا استوعبت وتعلمت. لكنه في الحقيقة لا يختفي. ومشكلتي الأخرى معه أن الوصول إليه -وإن تطلب الكثير من التضحية والجهد-، ذو تأثير غاية في البساطة والقُصر الوقتي. أما «القناعة» مستمرة في داخلنا، تجعلنا متصالحين أكثر مع أنفسنا، والأهم أنها (ربما) تصبح نفسها أيضاً وسيلة إبهار. فكم شخصية مثيرة للجدل في محيطنا ننبهر بها عندما نصفها بأن: «فلان أو فلانة، لا يحرصون على إبهار الآخرين، وهم صادقين وصريحين طيلة الوقت!» .. وماذا إن أضفنا: «وهم لا يهتمون أبدًا برأي الآخرين» أو «They don’t give a f**k».

عكس الإبهار في رأيي هو التعايش، وليس القناعة.

التعايش مع الحقيقة الحالية، مع الأصدقاء الحقيقيين، والمعارف الحقيقيين الذين يستحقون الكثير من الانتباه والرعاية، والحقيقة التي تظهر لنا كل يوم وتخبرنا أننا يجب أن نعمل على بجهد أكبر على مستقبلنا وطموحنا وأبناءنا، أكثر من الإبهار.

الإبهار يلمع فقط.

شؤون اجتماعية

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

اقتراحات يوليو ٢٠٢٤م: بودكاست وكُتب وأماكن

كان من المثير للدهشة بالنسبة إلي، أن اقتراحات يونيو ٢٠٢٤م قد لاقت تفاعلًا من القريبين أكثر من القرّاء، وهذا أمرٌ لطيف في الحقيقة، لكيلا يشعر المُقترِح أنه «يكلم جدار» مع اقتراحاته. عمومًا، لا يمكن أن أُعطي اقتراحات خارجية، قبل أن أحصل على شيء من

اقتراحات يوليو ٢٠٢٤م: بودكاست وكُتب وأماكن
للأعضاء عام

لماذا تطرد برشلونة سُيّاحها؟ (الموضوع أعقد مما نتصور)

ربما يكون أحيانًا تغيُر نمط حياتهم البسيطة بشكلٍ جذري سببًا كافيًا لعدم تحمّل الضيوف!

لماذا تطرد برشلونة سُيّاحها؟ (الموضوع أعقد مما نتصور)
للأعضاء عام

قصة الحادث الذي لم يغيّر حياتي - الجزء الأول

تريدون قصة؟ سأحكي لكم واحدة. كُنت أدرس في المرحلة الثانوية عام ٢٠٠٤م. اتصلت على أحد الأصدقاء (الذين تخرّجوا)، واتفقت معه أن يمر عليَ صباح اليوم التالي ليقلّني من البيت بسيارته في تمام الساعة السابعة صباحًا، في الفترة التي كان فيها معظم من في سني لا يملكون

قصة الحادث الذي لم يغيّر حياتي - الجزء الأول