تريد سرًا كبيرًا من أسرار الإنجاز؟
عليك بالكلاحة
تعلّمت بالطريقة الصعبة: لا يمكن لك أن تكون مُنجزًا إن لم تضع نفسك ضمن خانة الأولويات في حياة الآخرين مؤقتًا. نقطة على السطر، هذا موضوعي اليوم.
أقصد بالأولوية: التأكد من إنجاز المهمة حتى آخر مرحلة فيها بإلحاح شديد ومتابعة لصيقة حتى تتحول إلى أولوية للطرف الآخر.
يُطبّق هذا الأمر مع موظف البنك الذي يوجد على مكتبه خمسين معاملة إلى جانب ورقة طلبك لبطاقة ائتمانية. ومع مسؤول شركات التوريد الذي وعدك بإرسال عرض السعر البارحة ولم يرسله. ومع مديرك المباشر الذي تعهّد إليك بجلب استثناء من المدير العام لميزانية مشروعك القادم، وزميلك في قسم الموارد البشرية الذي يخشى أن يفتح على نفسه باب، إن وافق على صرف بدل الإجازة لك بشكلٍ استثنائي، أو ابن عمك خبير العقار الذي يعمل على صفقة بيع قصر في طريق الملك، وهو غير متفرِّغ، أو مهتم لأن يكمل بحثه لشقة غرفتين وصالة لك، التي تحدّثتم عنها في عشاء العم سمير.
أعني بما أقول أن تَحشُر نفسك ضمن جدول أعمالهم واهتماماتهم، بشكلٍ غير رحيم، تتحول إلى «آلة متابعة»، تكرر اتصالك ورسائلك المليئة باللطف والمودة بانتظام، حتى تتأكد أن ما تحاول إنجازه قد أُنْجِز. التحدي في الأسلوب اللطيف مع التكرار، وليس مجرد المتابعة الجافة.
تنتقل بعدها إلى المهام التالية، تكرر نفس الموضوع، حتى ينتهي أسبوعك، وتكتشف أن لا شيء عندك قد عُلِّق سوى بعض المهام طويلة المدى أو المشاريع المرتبطة بك وحدك.
أن تقوم بكل ذلك دون أن تشعُر بأي إحساس من الإذلال، أو خشية أن تُضيّق على الآخرين، أو استشعار أي شكل من أشكال العيب، أو الاستنقاص من نفسك. فلا شيء شخصي هنا Nothing Personal.
في اللحظة التي تستوعب فيها أن هذا الأمر متعلق بالإنجاز، وليس بشخصك، في اللحظة التي تتمكّن من فصل صورتك الذاتية عن ضرورة إنجاز ما بين يديك، في اللحظة التي تعي فيها أن متابعتك اللصيقة مع الآخرين وحرصك على إنجاز المهمة بأي شكل لا يعيبك (وإن كان يعيبك فلا يهم)، فسأقول أهلًا بك.
أهلًا بك في عالم المنجزين، السوبر ستارز، الموظفين الذين تحلم كل شركة بتوظيفهم؛ عالم الرجال الذي تعدهم الإناث سادة الرجال، وأبناءهم فخر الآباء، وشركاءهم أصحاب البطيخات الصيفية في بطونهم.
قصة شخصية
اكتشفت الأسبوع الماضي أن أحد المكيّفات التي رُكِّبت في المنزل كان فيه عيب مصنعي يمكن إصلاحه، ولأنني اشتريته من موزّع خارجي غير الوكيل، اقترح عليَ مشرف المشروع أن أقنع المورد بتغيير الجهاز كليًا، بدلًا من محاولة إصلاحه لأنه جديد، وموضوع التغيير أمرٌ صعب على الموزعين بشكلٍ عام لعدم تحكمهم المرن في المخزون، وعدم اكتراثهم الجدي لخدمة ما بعد البيع، ولهذا فإن إمكانية تطنيش موظف التوزيع لطلبي كبيرة.
ولذا قررت أن أقوم بموضوع المتابعة اللصيقة المستمرة (الكلاحة)؛ رتبت تذكيراً على الجوال كل ساعتين لأقوم بالاتصال على الموزع، وبالفعل كل ساعتين أتصل، وأذكّره بنبرة لطيفة وناعمة أنه لم يتم إرسال أيٍ من الفنيين لأخذ المكيف القديم وجلب الجديد، وفي كل مكالمة كان يقول لي «حاضر. قريبًا. أشوف وأرجعلك»، ولعلمي بأن الاحتمال الغالب هو عدم استجابته لطلبي، قررت أن أستمر في الإلحاح ليومين بعدها، حتى شعرت حرفيًا أنني أجهدته بالمتابعة، واستجاب أخيرًا لطلبي خشية أن أستمر يومين أو ثلاث آخرين بإمطاره بالاتصالات. كان لسان حاله يقول «فكّني الله يخليك». وأعلم يقينًا أنني إن تأخرت في المتابعة لتعقد الأمر، ولرضيت نهاية المطاف بحال المكيف الذي يصدر أصواتًا غريبة، كما سيفعل الكثيرين.
أواجه مثل هذا التعطيل في حياتي المهنية كثيرًا، ولم أجد طريقة محكمة وفعّالة للإنجاز سوى هذه الطريقة، ليس لوجود عيوب في الآخرين أو لرغبتهم في إهمالي، إنما لأنهم ببساطة يملكون أولويات مختلفة تشغلهم عني، وعندما أضع نفسي ضمن قائمة الأولويات، سيتم إنجاز مطالبي.
أعترف أن هذا الأمر (بتواضع) إحدى المهارات التي أفتخر بتدريب نفسي عليها. إن كان هناك موضوع يهمني جدًا، فإنني لا أرحم في المتابعة، حتى إن تم تسميعي كلمتين في العضل. أحاول أن أُبقي عيني على إنجاز المهمة وإتمامها، وأحاول بعدها التعامل بهدوء مع «الإيجو» الذي أُصيب.
أشجع زملائي ونفسي دائمًا على عدم قبول عذر شائع، وهو «كلمته وما رد» أو «قال حيرجعلي وله يومين وما رجع لي»، أحاول أن أخلق كل الطرق التي تؤدي إلى المتابعة اللصيقة، فدونها لن يُنجز شيئاً، ودونها سأخسر الكثير من الوقت.
المتابعة اللصيقة – أو الكلاحة - هي اتصال لمدة عشرين ثانية، أو رسالة واتساب لا تتجاوز العشر ثواني في كتابتها، تتكرر عدة مرات، دون توقف، حتى يتم الأمر. هذا كل ما يحتاج إليه الإنسان المنجز في رأيي.
ماذا إن كان الشخص الذي أتابع معه صديقًا، ولي فترة طويلة عنه؟
نركز على الأسلوب.
في المكالمة الأولى، نسلم عليه، ونتذكر الأيام الخوالي، مع وعد صادق بلقاء قريب، ثم الانتقال إلى موضوع المتابعة في الشأن الذي اتصلنا من أجله. ثم متابعة أخرى، ثم متابعة مع اعتذار وتذكير أن هذا الموضوع مهم بالنسبة إلينا.
يجب ألا نخجل من هذا الأمر، ويجب ألا نشعر بأي نوع من الإذلال، فها هي حياة الجميع مشغولة، ولا أحد مهتم بما تهتم به نحن.
إن لم تكن خلف هذه المهمة بنفسك، فلن يحزن على عدم إنجازها سواك.
الصديق ذو المنصب الكبير
قابلت قبل سنوات أحد أصدقائي الذين استطاعوا أن يقفزوا قفزات كبيرة في مناصبهم إلى مناصب عُليا رفيعة، وعندما سألته عن السر، قال لي ببساطة: Aggressive Follow up with everyone. متابعة عنيفة مع كل من حولي.
لحظتها استوعبت إنني أمام سر كبير، سر سيغير حياتي المهنية للأبد، ومن وقتها تحوّلت إلى الإنسان الكِلح. أصبحت لا أخشى من اتصالاتي لأي أحد في أي وقت، طالما أن المهمة (حتى إن كانت صغيرة وبسيطة) هي نصب عيني. وأعتقد أن الأمر سار على ما يُرام حتى اليوم، والله أعلم بما هو قادم.
النشرة الإخبارية
انضم إلى النشرة الإخبارية لتلقي آخر التحديثات.