لا يسأل الأطفال عن معنى هذه الحياة

«ما الذي يجعل الحياة جديرة بأن تعاش؟ لا يوجد طفل يسأل نفسه هذا السؤال.
بالنسبة إلى الأطفال، الحياة واضحة بذاتها. الحياة غنيّة عن الوصف: سواء كانت جيدة أو سيئة، لا فرق. وذلك لأن الأطفال لا يرون العالم، ولا يلاحظونه، ولا يتأملون فيه، ولكنهم منغمسون بعمق في العالم لدرجة أنهم لا يميزون بينه وبين أنفسهم. ليس قبل أن تظهر مسافة بينما هم عليه وبين العالم، حتى ُيطرح السؤال: ما الذي يجعل الحياة تستحق العيش؟»

-كارل أوفه كناوسغارد.

لعل الإنسان - حتى إن اتسم بأعلى درجات الحِكمة - يحتاج إلى إجابات تعطيه إحساسًا بالأمان. ولعل إحدى أسمى مكافآت الوعد الإلهي لنا هي «لَـٰكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ لِّلْأَبْرَارِ» (آل عمران ١٩٨). قبل هذا الوعد، هناك رحلة البحث عن المعنى، أو عن التأكيد الذاتي بأن أسمى ما نرجوه هو: أن نكون خيرًا لأنفسنا وللآخرين. وربما يكون هذا الأمر هو تمام المعنى.

لا يسأل الأطفال «ما هو المعنى من هذه الحياة؟». لأن اللحظة التي يعيشونها هي الحياة، ولأنهم لا يبحثوا عن أشخاص يخبرونهم بأن الحياة يجب أن تكون ذات معنى.

يستورد الإنسان المعاصر هذه المفاهيم من الغرب ليس حبًا في الحياة، وحرصًا للعيش أقصى ما يمكن العيش فيها. بل لاعتقادٍ راسخ أن قيمته لا تكفي في كونه إنسانًا كاملًا بكيانه يستحق أن يعيش لحظته بخير، وللخير.

يميل الإنسان المعاصر للشعور بالنقص والتقصير، أكثر من ميله إلى الاكتفاء والرضا.

هذا الميل يخدم الاستهلاك، والإنتاجية، والإعلام، ويخدم الغرب. كلما شعر الإنسان معه بالنقص، كلما حاول أن يُنْجِز المزيد، وكلما أنجز المزيد، كلما شعر أكثر بالنقص. تتحول الحياة إلى دوامة تخلق داخل الْأَنْفُس تساؤلات حول المعنى، وحول الرضا، والأقسى.. هي التساؤلات المرتبطة بالحسد.

تأتي المقارنة، ويأتي عدم الرضا، وتعود عجلة الاستهلاك، والحرق، وعدم الرضا، يُصبح معها كل شيء وكل إنجازٍ يسير، لأن هناك إنجاز آخر في الأفق. ولا يتحقق المعنى دون إنجاٍز قادم.

تحثّنا الآداب الإسلامية على البحث عن الرضا، فهي «باب الله الأعظم، وجنة الدنيا، ومستراح العابدين» كما يقول ابن القيّم. وقبل الالتفات إلى الوعد الإلهي الكريم، فإن الرضا والمعنى قد يمثّلان جنة الدنيا فعلًا، لأن الميل فيهم يحتاج إلى الاستحضار أكثر من التناسي. وعند كل استحضار، ومع كل يقظة، نزداد طمأنينة، وتُصبح السكينة هي صومعة النفس.

لا يسأل الأطفال عن معنى الحياة. كما لا يسألون عما يجب أن يحصل غدًا، وبعد غد. ومن الأجدى أن نستحضر سكينتهم لنطمئن، وإن سقط هذا السؤال على مسامعنا، من الأجدى أن نُجيبه بسرعة، ونعود إلى السكينة، نتعلم من الأطفال بنفس القدر من تعلّمنا من الحياة.