تخطى الى المحتوى

الفرق بين العقل الفكري والعقل الشخصي لدى العامة من الناس

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف

يجادل لوبون حول الفكرة التي تقول: أن العقل الجمعي أو العامة من الناس يتشابهون كثيرًا في قناعاتهم ووجهات نظرهم الشخصية، حتى وإن اختلفوا كثيرًا في قناعاتهم الفكرية (كأعمالهم ومِهنهم).

ويعلق على ذلك: «البشر شديدي الاختلاف في مسألة ذكائهم الغريزي والشغف، ومتشابهين جدًا في كل ما ينتمي إلى عالم المشاعر مثل الدين والأخلاق والعواطف والكراهية، وما إلى ذلك. ونادرًا ما يتجاوز الناس البارزين (أو المتطورين) مستوى أغلب الأفراد العاديين في هذا التشابه … قد يوجد فرق شاسع بين عالم رياضيات كبير وعامل يدوي، ولكن من وجهة النظر الشخصية، يكون الفرق في معظم الأحيان بسيط أو غير موجود».

وهنا قد لا يكون من المنطقي أن نبدي الاستغراب في هذا الأمر الذي يمثل مفهوم «العقل الجمعي»، فتجد الدكتور المتطور فكريًا والموظف البسيط يشجعون «نادي الإتحاد»، ويكررون إرسال الرسائل على الواتساب، وذلك في سبيل تلبية الحاجات وتطبيق القناعات العاطفية بالنسبة لهم.

الإنسان المتطور الذي ذكرناه، قد يعلم بشكل واضح السُبل التي تجعله أكثر نجاحًا وتطورًا في عمله وحياته المهنية أو الفكرية، بينما لا يظهر له هذا الوضوح بشكل كبير في الإنجازات العاطفية.

ولا يجب أن نستغرب، إن رأينا أحد كِبار مدراء المستشفيات أو البنوك، يمارس باستمرار سلوك إرسال الرسائل الوعظية، أو مقاطع الڤيديو الدارجة إلى أصدقائه وأهله مع «صور صباحات ومساءات خير!»، فهو متطور وصاحب فِكر في مهنته ومنصبه فقط. وهو متشابه كالعامة في الأمور (والطموحات) العاطفية.

فِهم السلوك الإنساني والتفريق بين العاطفة والعقل، يعتبر أحد أهم الأمور التي نستطيع من خلالها استيعاب المحركات غير المعلنة في تصرفاتنا. ومع هذا الوعي، نستطيع بعدها اتخاذ القرارات المستقلة نحو إنجاز الأمور ذات القيمة الحقيقية.

العاطفة تظل مع الأسف دومًا هي سيدة المواقف والتصرفات، وقد نطرح سؤالاً منطقي هنا: ما هي النتائج التي نصل إليها في حياتنا إن سُلمت كل تصرفاتنا إلى العاطفة، وأبعدناها عن «فيلتر» العقل؟

«العامة يمتلكون في صفاتهم العادية المشتركة فيها، ما يفسر، لماذا لا يمكن أبدًا إنجاز الأعمال التي تتطلب درجة عالية من الذكاء.» يعلق لوبون، «في العامة، كل المشاعر والأفعال معدية؛ ومعدية لدرجة أن الأفراد على استعداد للتضحية بسهولة بمصالحهم الخاصة للمصلحة العامة، هذه القدرة تتناقض تمامًا مع الطبيعة الشخصية للفرد، والتي من الصعب أن يكون فيها الفرد قادرًا على تجاوزها، إلا عندما يُصبح جزءًا من العامة.»[i]


[هذا الجزء من كتابي القادم، وهم الإنجاز: كيف يتحرك العامة وماذا يحفزهم]

[i]. Bon, Gustave le. Psychology of Crowds. Sparkling Books Limited. (Kindle Locations 272-300).

سيكلوجيا الإنسان

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

لا يسأل المدربين لاعبيهم: ما الذي تشعرون به؟

هل يكون التعبير المفرط عن المشاعر واليقين بسوء النفسية (خصوصًا لدى اليافعين) مفيد، بنفس القدر الذي يجب فيه أن يحاولوا أن يتجاهلوه بالانسجام مع مسؤوليات حياتهم اليومية؟ لا نجد في عالم الرياضات التنافسية أن المدربين حريصين على استكشاف مشاعر متدربيهم بنفس القدر على حِرصهم لإنجاز جلسة التدريب التالية،

لا يسأل المدربين لاعبيهم: ما الذي تشعرون به؟
للأعضاء عام

لا يسأل الأطفال عن معنى هذه الحياة

«ما الذي يجعل الحياة جديرة بأن تعاش؟ لا يوجد طفل يسأل نفسه هذا السؤال. بالنسبة إلى الأطفال، الحياة واضحة بذاتها. الحياة غنيّة عن الوصف: سواء كانت جيدة أو سيئة، لا فرق. وذلك لأن الأطفال لا يرون العالم، ولا يلاحظونه، ولا يتأملون فيه، ولكنهم منغمسون بعمق في العالم لدرجة أنهم

لا يسأل الأطفال عن معنى هذه الحياة
للأعضاء عام

مكان الغرباء والأحلام خلف الجميع

في عام الكورونا، زرت هذا المكان أكثر من أربع عشرة مرة. لا أحد أعرفه زاره بنفس القدر.

مكان الغرباء والأحلام خلف الجميع