لماذا لا يشعر البعض بالوحدة؟
الاجتماعيين بصفة عامة يستمتعون أكثر في البقاء وحدهم من نظرائهم الانطوائيين.
كان هذا اقتباس من دراسة أشار إليها الكاتب كال نيوبورت في كتابه «العمل العميق» أو ربما كانت في كتاب سوزان كين «هدوء». لا أتذكر. لكنني شعرت بالسعادة عندما سمعته في الحقيقة.
أُصنِف نفسي من فئة الأشخاص الاجتماعيين، ورغم نقص معدل الأصدقاء نسبيًا لتواجدي مؤقتًا في فلوريدا، إلا أن الأمور سارت بشكل جيد بتعرفي على الكثير من الجيران الأمريكيين، إضافًة إلى انضباطي بالاجتماع الأسبوعي للأحبة السعوديين المتواجدين هنا.
الإحساس بالوِحدة أمر مزعج حقًا، أخشاه كثيرًا، ولا يوجد إنسان في هذا الكون إلا وقد شعر به في فترةٍ ما في حياته، ووجدت مع الوقت أنه يوازي شعور الكسل كثيرًا؛ كلما انغمست فيه أكثر كلما استمريت فيه لفترة أطول وكلما كان صعبًا عليك الخروج منه، الوحدة من مناطق الراحة شديدة الخطورة.
هي أحيانًا لا تعني البقاء وحيدًا أو منعزلًا. بل قد يكون الإحساس بالوِحدة مرافقًا لفكرة أو شعور ما. فعندما تكون مقتنعًا بأمر مهم بالنسبة لك لا يقتنع به كل من حولك، هنا تبدأ الوِحدة بالتشكُّل. تزداد عندما تكثر الأفكار والمشاعر التي لا يشاركك فيها من حولك. وفي رأيي هذا هو السبب الوحيد الذي يجعل الكثير من المراهقين يعيشون بشكل ما في إطار الوِحدة. هم وحدهم مع أفكارهم وتمردهم، لكنهم مع الآخرين شكليًا.
فترة العزل، وجدت أن الوِحد لم تكن أبدًا تحديًا لي بصراحة. في تأملي للتجربة، اكتشفت بالصدفة أن الإنسان صاحب كثير الهوايات (غير المُتقنة) أكثر ابتعادًا عن الوِحدة من الإنسان شديد التمسك بهواية أو أمرًا واحدًا في حياته. كان رمضان بالنسبة لي إلى جانب شعائره؛ مليئًا بالتحليلات الاقتصادية وقراءات سوق الأسهم الأمريكية، بل أن الموضوع وصل لحد صرفي يوميًا معدل ثلاث ساعات على الأقل وأنا منغمس في قراءة الأوراق والتقارير. لم يكن الهدف تضييع الوقت بقدر اكتشافي لحبي لهذا الأمر القديم – الجديد في حياتي وهو «الاستثمار».
كان موضوع القراءات المالية مصاحبًا للطبخ، ولعب البلايستيشن، والقراءة، والسباحة مع بناتي، والركض يوميًا، والتسوق، والمكالمات بالساعات مع الأصدقاء القدماء لدرجة أنني أصبحت أخصص جزءً من اليوم لهم (كان من المثير في هذا الأمر أنني كلما اتصلت على صديق كان يرفع السماعة مباشرة من فراغ الوقت)، وأيضًا محاولة الانغماس أكثر في المزيد من الكُتب والكتابة. وطبعًا التجاوب والخروج مع الأصدقاء الذين لا يمانعون ذلك في وقت كانت سمته الأكبر التخوف من الاختلاط.
لا أود طبعًا أن أعطي انطباعًا للقارئ الكريم أنني عشت أجمل أيام حياتي! إلا أنني حتى وإن لم أكن في قمة سعادتي، فقد كنت مستقرًا بشكل لا بأس به، وأتأمل الآن بأن الوِحدة لم تكن ضمن الخيارات.
أتمنى أن تصدقني إن قلت لك أن حبي وكرهي للتواصل الاجتماعي كان منبعه أنني دومًا ما أخشى الفكرة التي تقول إنه تهديد صريح لحياة الاجتماعيين؛ فلا أود صراحًة أن أكتفي بالتواصل عبر رسائل انستجرام وتعليقات تويتر مع الأحباء، أريد أن يكون لي أصدقاء حقيقيين وبشر أستطيع الاقتراب منهم، وقد صرحت سابقًا في أكثر من مرة أنني من فئة الأشخاص الذين يدّعون أنهم لا يستطيعون أن يعيشوا دون أصدقائهم، عندي ولاء كبير لهم بجميع فئاتهم وأعمارهم وتخصصاتهم ومكاناتهم.
وجدت أن الحِرص والمبادرة في التواصل مع الآخرين وفي البحث عن هوايات جديدة دومًا هي الأسباب الحقيقية التي لا تجعل البعض يشعر بالوحدة. قد يكون هذا الأمر بديهيًا، إلا أنه يستحق أن يُذكر ويستحق أن نحاول تطبيقه. بل أن الإنسان قد يُفاجئ بأن فكرة تضييع الوقت وفكرة الفراغ (والبحث عن المسلسلات الجديدة على نيتفليكس) والشعور بالوِحدة بعمومها ستضيع وسط هذه المبادرات.
كان الله في عون الجميع.
النشرة الإخبارية
انضم إلى النشرة الإخبارية لتلقي آخر التحديثات.