تخطى الى المحتوى

لماذا لا أحب ما كُنت أحبه؟

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف
2 دقائق قراءة
لماذا لا أحب ما كُنت أحبه؟
Photo by Alisa Anton / Unsplash

أستحضِر مؤخرًا كلمة أحد الأصدقاء العزيزين عندما قال: «أصبحت ذلك الإنسان الذي كُنت أُطلِق عليه النكات قبل عشر سنوات». سبب الاستحضار أن هذا الأمر أصبح ينطبق عليَ بشكلٍ يصدمني في تفاصيله. قد يكون السبب هو تغير الاهتمامات الشخصية، أو حالة من التقدّم في العمر، أو ببساطة الانغماس في النضج الذي لا نستوعب انعكاسه في اهتماماتنا وتصرّفاتنا. خذ مثلًا:

  • اقتراح الخروج من المنزل مع الأصدقاء أو استقبال دعوات القهوة والعشاء، كانت تُشعِرُني بالحماس بمجرد رؤيتي لرقم المتصل. أما اليوم، إن ظهرت إحداها فإنني أفكر مرتين؛ أحمل هم تضييع الوقت، وجدوى المواضيع التي ستُفتح، والمصاريف التي ليس لها داعٍ في عالمٍ متضخم في أسعاره، وتساؤل عن حجم الترفيه الذي سيكون مقابل الخروج، مع القليل من الذنب لابتعادي عن بناتي، وأخيرًا مقارنة متكررة في المفاضلة بين وقت الخرجة ووقت القراءة أو الكتابة.
  • سافرت مؤخرًا مع صديقين عزيزين كانوا متحمسين جدًا، لاحظت أننا جميعًا كُنّا نُفضّل العودة إلى المنزل مبكرًا نسبيًا، لقضاء بعض وقت الراحة قبل النوم ومشاهدة أحد عروض «الستاند أب كوميدي» سويًا، في حين إنني تخيّلت حال نفس السفر مع نفس الشلة قبل عشر سنوات، والذي سيجعلنا إما أن نعود للمنزل مع شروق الشمس، أو تلبية الفضول لتجربة أماكن جديدة جريئة كحال أي شباب، إلا أن الأصدقاء كانوا سعيدين فقط بزيارة بعض المطاعم الممتازة، مع انبهار كبير بسبب ذهابنا لأحد المتاحف التاريخية، مع الحرص على أخذنا بقية الأيام لأعلى قسط من النوم. العجيب أيضًا، أن حماس الخوض في النقاشات الثرية كان أكبر بكثير من تجربة أماكن جديدة، رغم أن أحدهم كانت هذه زيارته الأولى للمدينة.
  • الحماس اليوم لقضاء وقتٍ أكبر مع العائلة أصبح معاكسًا تمامًا عمّا كان عليه الوضع قبل عشر سنوات. أصبحت لا أوافق على اللقاءات الاجتماعية إلا بعد تحضّري نفسيًا لها، وكأنها اجتماعات عمل. التحوّل من شخص اجتماعي مجنون إلى آلة حاسبة لكل الظروف، أمرٌ لا أعرف كيف أقيمه، إلا أنه مدعاة للتأمل.
  • كوب القهوة والكتاب أصبحوا فعليًا قمة الإغراء في الحياة.
  • التفاصيل الصغيرة خلال اليوم: كالاستماع لأغنية جميلة، الجلوس بهدوء، وجبة لذيذة، التفكير في حلول لمشاكل عملية، وأحيانًا بعض العمل على المسؤوليات، استبدلت بشكلٍ قاطع كل وسائل الترفيه التقليدية.
  • سيارتي تقضي بعض الوقت في الصيانة. ولإمكانية ممارسة مهامي العملية من المنزل، عدلت عن فكرة استئجاري لسيارة والاستسلام لمَ تبقّ من أيام الأسبوع مع فكرة البقاء في المنزل، وطبعًا، التعذّر من الجميع بأنني لا أملك سيارة ولا أريد استخدام أوبر أو كريم الذين أصبحت أوقات انتظارهم أكثر من طول المشوار.
  • اقتناعي التام بأن كل ما ذُكر أعلاه قد يكون ضربًا من الجنون لنسختي الحية قبل عشر سنوات، لكن الأهم أن هذه القناعة نابعة من إحساس داخلي، يُشعرني ببعض الإنجاز والهدوء؛ خصوصًا أنها مصحوبة بوقتٍ مخصص للرياضة والمشي والتفكُّر.

أصبحت لا أحب ما كُنت أحبه -حسبما أعتقد- بسبب شيء لا أملك خيارًا فيه. سلبيًا: هو بعض التقدم في العُمر، وإيجابيًا: هو بعض النضوج والتشبُّع من الملهيات.

سيكلوجيا الإنسان

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

لا يسأل المدربين لاعبيهم: ما الذي تشعرون به؟

هل يكون التعبير المفرط عن المشاعر واليقين بسوء النفسية (خصوصًا لدى اليافعين) مفيد، بنفس القدر الذي يجب فيه أن يحاولوا أن يتجاهلوه بالانسجام مع مسؤوليات حياتهم اليومية؟ لا نجد في عالم الرياضات التنافسية أن المدربين حريصين على استكشاف مشاعر متدربيهم بنفس القدر على حِرصهم لإنجاز جلسة التدريب التالية،

لا يسأل المدربين لاعبيهم: ما الذي تشعرون به؟
للأعضاء عام

لا يسأل الأطفال عن معنى هذه الحياة

«ما الذي يجعل الحياة جديرة بأن تعاش؟ لا يوجد طفل يسأل نفسه هذا السؤال. بالنسبة إلى الأطفال، الحياة واضحة بذاتها. الحياة غنيّة عن الوصف: سواء كانت جيدة أو سيئة، لا فرق. وذلك لأن الأطفال لا يرون العالم، ولا يلاحظونه، ولا يتأملون فيه، ولكنهم منغمسون بعمق في العالم لدرجة أنهم

لا يسأل الأطفال عن معنى هذه الحياة
للأعضاء عام

مكان الغرباء والأحلام خلف الجميع

في عام الكورونا، زرت هذا المكان أكثر من أربع عشرة مرة. لا أحد أعرفه زاره بنفس القدر.

مكان الغرباء والأحلام خلف الجميع