تخطى الى المحتوى

ماذا سيحدث إن اختفت كُتب النصوص من العالم؟

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف

ما يدفع أي شخص لكتابة كتاب أو مقالة ما، هو اقتناعه التام أن هناك شيء يستحق الكتابة ويرغب مشاركة الآخرين به.

وقد تحدثت بشكل سلبي سابقًا عن رغبتي الحقيقية بالتوقف عن قراءة الكُتب العربية لأسباب تتعلق بالتسويق و«الأنا»، ولن أخوض اليوم في نفس الموضوع بنفس الزاوية. لكنني سأعقب على زيارتي الأخيرة لمكتبة متجر «ڤيرجن ميجا ستور»، عندما أُصِبت بالذهول من العدد الكبير لكُتب النصوص، وقد كُنت حرفيًا أجد أن أربعة من بين خمسة كُتب موجودة على الأرفف هي كُتب نصوص.

عندما أقول نصوص فإنني لا أقصد المقالات، ولا أقصد الرواية ولا أقصد أي نوع معروف عن الكُتب في التصنيفات العالمية. أقصد بشكل مختصر: الكثير من الصفحات البيضاء والتي تحتوي على بعض الكلمات الخواطرية، مثل الشكل التالي:

في ذلك المساء .. نظرت إلى السماء .. بحثًا عنك ..

ووجدت .. أنني .. لم أرى .. سوى النجوم .. والتي ذكرتني بِك ..

أين أنت الآن؟ … وكيف تعيش من غيري؟

وجدت أن من كثرة كُتب النصوص الموجودة في السوق، فقد قامت إدارة المحل بوضع أجزاءً كبيرة منها من قسمها الذي لم يسعها، في قسم الروايات. وكان من المؤسف أيضًا أنني وجدت على الأقل ثلاثة روايات، تفاجأت عندما فتحتها أنها بالفِعل روايات، ولكن على شكل نصوص قصيرة، وأحداث موزعة بشكل كبير على الصفحات العديدة الفارغة.

كُتب النصوص لا تتطلب الكثير من الجهد والتركيز والعمل الدؤوب لتخرج من عقل كاتبها إلى السوق، بقدر حرص صاحبها على إخبار الآخرين أنه كتب كتابًا ما، حتى وإن لم يتجاوز في عدد كلماته الخمسة آلاف كلمة (١٦٪ من متوسط حجم رواية صغيرة الحجم).

مشكلتي الكبيرة مع كُتب النصوص تتركز في أمرين:

أولها، أنها لا تُحقق أحد الهدفين (لا ثالث لهما) من القراءة:

  1. الترفيه (ويدخل فيها الخيال، والقصص، والإثارة إلخ.).
  2. المعلومة (كُتب التخصص والبحوث والقصص الواقعية والسير الذاتية).

وثانيهاً، أن حِس الإبداع فيها شبه معدوم، فلا هي تتطلب حجمًا كبير من المفردات اللغوية كصياغة الشِعر، ولا هي تحتوي على أحداث وشخصيات يعيش معها الكاتب، ويتعذب حتى يصل لخلق قصة مثيرة ربما تأسر خيال القارئ لها.

وإن لم يتحقق مبدأي «الترفيه» أو «المعلومة» إذاً؛ لماذا كُتب الكتاب؟

هل لأن الكاتب كان يود أن يخبر الآخرين (كما أدّعي) أنه يريد أن يكتب شيئاً ما، لمجرد الكتابة؟ ..

والسؤال الآخر، هل كسل الكاتب والقارئ إن كان موجود، هو السبب الرئيسي في كثرة انتشار هذه النوعية من الكُتب؟

«٢٠٠ صفحة من اللاشيء» كما يصفها أحد أصدقائي الروائيين الناجحين. وإن راقبنا هذا الأمر قليلًا، سوف لن نجد مثل هذه الكُتب بهذه الغزارة لدى المجتمعات الأخرى، أو عند قُرّاء اللغة الإنجليزية؛ ببساطة لأن السوق لن يسمح بطباعة ونشر مئات النسخ كتلك، والتي تحمل معها عمرًا افتراضي قصير جدًا على الأغلب، كما قال لي أحد أصحاب متاجر بيع الكُتب المعروفة في المملكة.

والسؤال الآخر، ماذا سيحصل إن اختفت كل كُتب النصوص العربية من وجه الأرض؟ هل سيتأثر التراكم العلمي الإنساني؟ أو هل سيتأثر المولعين بالخيال واللغة سلبيًا بذلك؟ .. بصراحة لا أعتقد.

يجادلني بعض الأصدقاء بأن تلك الكُتب كُتبت لتستهدف شريحة معينة، وأقول الاكتفاء بوجودها والاقتناع أنها كتب لا بأس بها على أقل تقدير، ستدفع بمعظم حديثي القراءة للهروب من الكُتب الصعبة أو التي تفوق مستواهم الفكري، لينشغلوا بعيداً عن الخيال والمعلومات بمحتويات نصية لن تضيف إلا القليل جدًا لمخزونهم المعرفي.

كُتب النصوص لا تتحدى الكاتب ولا تتحدى القارئ لبذل المزيد من الجهد الكتابي والبحثي والخيالي، ولا تتطلب الكثير من الساعات والتعب والتركيز في وسط عالم التواصل الاجتماعي الذي أصابنا بالسطحية، هي فقط وسيلة لإقناع كاتبها ومتلقيها أن هناك شيء ما أُنجِز!

والسؤال الأهم الذي يطرح نفسه، ماذا لو كان لشخصٍ ما رغبة في كتابة خواطره؟ وأقول إن معظم الأفكار تستحق التوثيق إن اقتنع صاحبها بضرورة ذلك، لكن سأشجع أن تُدون في مكانها الصحيح، على تايم-لاين التويتر، أو على صفحات المدونات والفيسبوك، دون الحاجة لمزاحمة الجهود الكبيرة التي صُرِفت من قِبل كُتاب آخرين أنتجوا كتبًا تستحق البيع على الأقل!

أكتب هذه الكلمات وأنا أوشك الوصول لمقالتي رقم «٥٠٠» (أكثر من ٢٠٠،٠٠٠ كلمة) وأعتقد جديًا أن ٩٠٪ من مقالاتي قد لا تحمل في طياتها الكثير من الأفكار التي تستحق الاهتمام الحقيقي، إلا أنني عبر التدوين المستمر أهدف للكثير من الأمور، كتدريب عضلة الكتابة بشكل مستمر، وإبقاء التواصل مع قراءي الأفاضل، وتشجيع نفسي للبحث عن الكثير من الأفكار والتي ربما يتحول إحداها لكتاب مستقبلي يحتاج للمزيد من الانتباه والتركيز والعمل الدؤوب، لكنها تظل مقالات، وهي موجودة على صفحتي الخاصة التي ترحب بأي شخص (مجاناً) بقراءتها والاطلاع عليها.

وأود عبر هذه الكلمات، أن أُشجع كُتاب النصوص على المزيد من العمل والبحث وكتابة محتويات يتحدون بها أنفسهم وقراءهم في المعلومات والخيال، فهي ما نحتاجه أكثر. وليس المزيد من النصوص أو كُتب تجميع التغريدات.

عن الكتابة

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

الكلاحة هي السلاح الأهم للكتابة (ملفات القرّاء ٩)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أتمنى إني كنت أول تعليق (😅 لزمة المنتديات قديمًا). لطالما استمتعت بنشراتك البريدية وبما تكتب (متى ما استطعت إيجاد اللحظة التي تجمع توفر الوقت وانتباهي لوصول نشرتك في صندوق البريد الإلكتروني المزدحم). في مختلف حياتي العمرية تأتيني فترات انشغل فيها بالقراءة فاشعر أن ذائقتي بالكتابة

الكلاحة هي السلاح الأهم للكتابة (ملفات القرّاء ٩)
للأعضاء عام

لو لم تكن كاتبًا ماذا ستكون؟ (ملفّات القرّاء ٨)

لو ما كنت كاتب إيش حتكون؟ صديقي العزيز عمران، سؤال لطيف. في الحقيقة لا أعلم. فكّرت في السابق أن أكون طيّارًا، لحبي للسفر، وأيضًا لاعتقادي أن هذه المهنة تملك مساحات مختلفة من أوقات الفراغ في الشهر، وستساعدني في موضوع الكتابة والقراءة. ولكن لأنني أصبحت آخر سنوات

لو لم تكن كاتبًا ماذا ستكون؟ (ملفّات القرّاء ٨)
للأعضاء عام

كم ساعة تقرأ في اليوم؟ (ملفّات القرّاء ٧)

مقدّمة: إن كُنت أحد سكّان مدينة جدة، أدعوك لحضور أمسية ثقافية يوم الاثنين (٣٠ سبتمبر ٢٠٢٤م) بعنوان «الشعور بالانتماء ضرورة أم رفاهية؟». رابط التسجيل هنا. تنورونا. ننتقل إلى ملفّات القراء.. السلام عليكم، أشكرك أخي أحمد على إتاحة الفرصة لي، سؤالي كم ساعة تقرأ باليوم، وهل تقرأ كتاب

كم ساعة تقرأ في اليوم؟ (ملفّات القرّاء ٧)