لماذا لا يجب أن تقاطع أصدقاء الطفولة؟
كتبت في أحد الأيام مقالة (تهكمية) بعنوان «لماذا يجب أن تقاطع أصدقاء المدرسة؟». وإن كانت تتقاطع مع مقالة اليوم، إلا أنها بالتأكيد بشكل من الأشكال مُكملة من الزاوية التي سأتحدث عنها الآن …
في نقاشي الأخير مع أخي العزيز فهد صواف، شاركني برأي مفاده أن الميزة الأولى وغير المُعلنة لأصدقاء الطفولة، أنهم يذكروك بأصلك وحالتك التي كُنت عليها لفترات طويلة قبل أن تصل إلى ما وصلت إليه. «سيذكرك صديق الطفولة والمراهقة أنك أخذت مفتاح سيارته لتنام فيها، لأن والدك قد طردك يومها من البيت» يعلق فهد «وسيستطيع بسرعة إيقافك عند حدك، عندما تقوم بأي محاولات عنطزة أو فرد لريشك».
كحالة الأم، فهي لا تهتم إن أصبح ابنها وزيرًا أو سفير أو ملياردير أو شحات، فهي تراه ابنها فقط. وتأتي الحالة الموازية هنا -ربما- في صديق الطفولة الذي لن يتغير عنك (وهو يتوقع منك هذا السلوك) مهما ازادت ثروتك أو انخفضت مكانتك. فهو يراك صديق قديم يستحق المعاشرة وكفى.
من الأسباب التي تجعل الآخرين يطمئنون لك هو عند استيعابهم أنك وفلانًا من الناس أصدقاء منذ أكثر من عشرين سنة. فيُظهِر لهم هذا الأمر الحقيقة التي تقول إنك إنسان «عِشَري» من الطراز الأول. وإن كُنت من صٌناع الخوابير في حياتك، فبالتأكيد صديقك فلان القديم كان أول من سيلبسها ليبتعد عنك. ويُناقِض هذه الحالة؛ حالة بعض أصدقاء الطفولة الذين يحرصون على تغيير «طقم» الأصدقاء من فترة لأخرة، فتجدهم مع كل مصلحة وكل موجة تغيير، يعصف بأصدقائه؛ لأنه أصبح يشعر بالارتياح أكثر مع طقم (الصحون) الجديد ليأكل منه.
ورغم وجود سلبية صغيرة في قضية أصدقاء الطفولة وهي أنهم قد لا يستوعبون حجم التطور الذي قد وصلت له، إلا أن الشق الآخر من المعادلة، أن هذا التطور لن يكون سببًا حقيقي ليعزز مكانتك عندهم أو ينقصها. فكما [tweet_dis]يقول المثل الشعبي «مغني الحارة لا يُطرِب» فصديق الطفولة قد لا تستهويني فلسفاته وأفكاره المتطورة والحديثة علي.[/tweet_dis]
الكثير من أقاربي وأصدقائي المقربين لم يقرأوا أيًا من كُتبي ومعظم مقالاتي، لأنهم ببساطة يعتقدون أنهم يعرفون ماذا أريد أن أقول ولسان حالهم سيردد «يعني أيش حيجيب شي جديد غير اللي عرفناه عنه؟!» وبالطبع لا بأس بذلك من وجهة نظري، فمغني العائلة والطفولة لن يطرب، ويبقى الحِس الإنساني هو الغالب وهو المطلوب.
ولعل الفيلسوف «إبيكور» عندما اكتشف سر السعادة منذ ثلاثة آلاف سنة بقوله فيما معناه «أن أقصى درجات السعادة، هي قضاء الوقت مع صديق قديم (بغض النظر عن الظروف والمكان المحيط)». هو خلاصة ما أريد الإشارة إليه.
النشرة الإخبارية
انضم إلى النشرة الإخبارية لتلقي آخر التحديثات.