تخطى الى المحتوى

لا يسأل المدربين لاعبيهم: ما الذي تشعرون به؟

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف
لا يسأل المدربين لاعبيهم: ما الذي تشعرون به؟
Photo by Kael Bloom / Unsplash

هل يكون التعبير المفرط عن المشاعر واليقين بسوء النفسية (خصوصًا لدى اليافعين) مفيد، بنفس القدر الذي يجب فيه أن يحاولوا أن يتجاهلوه بالانسجام مع مسؤوليات حياتهم اليومية؟

لا نجد في عالم الرياضات التنافسية أن المدربين حريصين على استكشاف مشاعر متدربيهم بنفس القدر على حِرصهم لإنجاز جلسة التدريب التالية، ليعودوا إلى منازلهم بعدها. تُشير الكاتبة آبيجل شرِّير في إسهاب مطوّل في كتابها (العلاج السيئ) أنك «لا تستطيع إنجاز أي شيء إن غرقت في التفكير بمشاعرك [ونفسيتك]».

لا يود أي مدرّب محترف أن يسأل لاعبيه عن شعورهم تجاه المباراة القادمة، ولا عن تحدّياتهم الحياتية، ودائمًا ما يتجنّبون التركيز على شعورهم تجاه المنافسات السابقة الخاسرة. لأن هذا الباب إن فُتِح، فإنه سيعطل الكثير من العمل. ستبدأ الحلطمة، وسينغمس بعض اللاعبين (إن لم يكن الكل) في التعبير عمّا يشعرون به لمدربهم وللآخرين من حولهم، وقد تتحول الجلسة إلى جلسة دعم نفسي جماعي.

في الثقافة الإسلامية، لا يكاد يخلوا منزلاً من تجربة فتح ثلاثة أيام عزاء. وأومن أن أصل هذه السنة العظيمة هي عدم إعطاء فرصة لأهل الميت بالانشغال في فاجعتهم وحزنهم العميق لكيلا يغرقون طويلًا فيها دون انتشال. لأن الحياة يجب أن تمضي بالطول والعرض رغم كل الظروف القاسية.

وفيما يخص اليافعين، تستشهد شرير:

«إن خفض التوقعات للأطفال الأصحاء الذين يزعمون أنهم يعانون ضائقة نفسية غامضة يضر بهم. «ستأتي إحدى طالباتي الأكبر سناً، وتقول، لا أستطيع العزف اليوم. أواجه يومًا صعبًا للغاية، بسبب صحتي النفسية». أعني، لو قلت ذلك لأي من مديري الأوركسترا، لكانت الإجابة أشبه بـ «أنا آسف، أحضر آلتك الموسيقية. نحن نجري بروفة. أنا آسف لأنك تعاني مشكلة الآن. الكمان، أو الجيتار، أو أي شيء تعزفه سيساعدك».
يعتقد ديفيد أن مساعدة طلابه على إتقان آلة موسيقية أفضل بكثير لشعورهم بالرفاهية والشعور بالإنجاز من أي شيء آخر قد يتحقق من خلال السماح لهم بتجنب العمل الشاق.
ولكن بمجرد تدخل مستشار المدرسة، كما يقول، يصبح أي «تكيف» مطلوب، بغض النظر عن مدى ضرورته، مستحيلًا تقريبًا على المعلم أن يعارضه.
بناءً على نصيحة مستشار المدرسة الثانوية لابنها، أنجيلا، وهي عضو في فريق إنتاج تلفزيوني، سمحت لابنها شديد الذكاء، والقلِق، جايدن، بالحصول على استثناءات، حتى يتمكن من إجراء اختبارات غير محددة الوقت لآخر ثلاث سنوات من المدرسة الثانوية. كانت المستشارة لطيفة، وبدا أن جايدن يحتاج إلى وقت إضافي لاختبارات الرياضيات. ولكن بدلاً من حثه على العمل بجدية أكبر، أو تخفيف العبء العاطفي عليه، بدا أن الاستثناءات قد أكلت إرادته في المحاولة.
قالت أنجيلا: «لقد ندمت حقًا لأنه استخدمها كعكاز. مثل: «أوه، لا يمكنني تسليم الورقة في الوقت المحدد لأنني أملك الحق في الاستثناء، بسبب إعاقتي [يقصد شعوره بالقلق]». وأضافت: «لقد اعتقدنا أننا نساعده بهذه الاستثناءات، وأدركت أنها لم تكن مفيدة».

أحد معارفي وهو شاب (في بداية العشرينيات) يتّسم بذكاء حاد وقدرة ضعيفة على التركيز في مهمة واحدة، شُخِّص «بفرط الحركة»، ليقرر بعدها عدم الالتزام بأي مهام عملية أو دراسية، بحجة أن شعوره غير مستقرة، وهو يعاني قلة التركيز حسبما أخبرته أخصائيته بذلك، ليعطي إجابة جاهزة لأي سؤال يُسأله عن عدم تحمّل أي شكل من أشكال المسؤولية ليرد بأنه: «مريض بفرط الحركة» كما يعلم كل من حوله.

تجاهلت والدة هذا الشاب - التي كانت هي من اقترح في البداية فكرة الاختصاصية - الأمر، وحاولت دفعه للمزيد من العمل والانضباط وتجنّب كلام الاختصاصية (مؤقتًا). احتاج هذا الولد للمال بعدها، اضطر إلى العمل، ثم فُصِل من العمل لأنه (كما قلنا غير قادر عن التركيز). اضطر إلى الانتقال إلى عدة أعمال أخرى، حتى استسلم، وقرر أن يجرب حلّا آخر، وهو: شيء من التماسك والمثابرة.

عندما استوعب هذا الولد أن لا خيار له سوى المحاولة الجدية، سلكت الأمور معه. تمامًا كما ستسلُك مع أغلبيتنا إن تسلّحنا بشيء من التماسك، والمثابرة، وكثير من وصلات تطنيش المشاعر والنفسية السلبية.

عندما أقول «تماسك»، فأنني أقصد مباشرة البحث عن الطرق الاعتيادية لمجابهة تحديات الحياة؛ الجلوس مع الأصدقاء والمحبّين، ممارسة الرياضة، الانخراط في العمل، والتركيز على المهام القادمة. وترك البال وشعوره يأخذون وقتهم حتى يعالجوا أنفسهم بنفسهم.

أعرف الكثير أيضًا من الأشخاص الذين أنجزوا شيئًا في هذا الكون، بسبب اللحظات العديدة التي تجاهلوا فيها شعورهم ونفسياتهم (مؤقتًا). ليس لأنهم عظماء بالضرورة، بل لأنهم كانوا لا يملكون الخيار.

في أحيانٍ أخرى، ربما نقترح عدم ترك المجال إلا لمزيد من المثابرة. لليافعين قبلنا. وربما يكون الحل أحيانًا أن نتحدى أبناءنا وأنفسنا، ونعطي شيئاً من سمة الجلد لهم، ولنا، لأن الحياة لن تنتظر انسجام أحاسيسنا التام مع مسؤولياتنا.


  • Bad Therapy, Shreir A. P93
سيكلوجيا الإنسان

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

لا يسأل الأطفال عن معنى هذه الحياة

«ما الذي يجعل الحياة جديرة بأن تعاش؟ لا يوجد طفل يسأل نفسه هذا السؤال. بالنسبة إلى الأطفال، الحياة واضحة بذاتها. الحياة غنيّة عن الوصف: سواء كانت جيدة أو سيئة، لا فرق. وذلك لأن الأطفال لا يرون العالم، ولا يلاحظونه، ولا يتأملون فيه، ولكنهم منغمسون بعمق في العالم لدرجة أنهم

لا يسأل الأطفال عن معنى هذه الحياة
للأعضاء عام

مكان الغرباء والأحلام خلف الجميع

في عام الكورونا، زرت هذا المكان أكثر من أربع عشرة مرة. لا أحد أعرفه زاره بنفس القدر.

مكان الغرباء والأحلام خلف الجميع
للأعضاء عام

في فكرة التخلص من الخوف بسرعة

الإنسان عندما يكون حبيس مخاوفه، فإن جزءً كبيرًا من حياته يتوقف عن العمل. تستطيع السيطرة على حياة أي إنسان إن أخفته. مشكلتنا أننا في الحقيقة من نُشعِر أنفُسنا بالخوف، بنفس القدر وأكثر من الأحداث الخارجية التي تستدعيه. الإلمام بالمشكلة هو نصف الحل. أحاول في العادة أن

في فكرة التخلص من الخوف بسرعة