قِدر الضغط
علاقتي مع «قِدر الضغط» الكهربائي المتطور، والتقليدي، علاقة وطيدة، فهو كان الأداة الأهم لإنجاز أفضل المأكولات بشكلٍ سريع لي ولأسرتي عندما كُنت في الولايات المتحدة. تضع البهارات والرز بعد أن تقلي اللحم أو الدجاج قليلًا داخل القِدر، تُغلِقه، وتحدد الوقت، وانتهى الأمر؛ وجبة من المستوى الرفيع جاهزة خلال وقتٍ قياسي. وبالطبع، أهل الخبرة قد يتحفوك بعشرات الطبخات التي لم تكن تتخيّل إنجازها في هذا «القِدر»، وربما أضيفه ضمن قائمة الأساسيات الأساسية، مع غسالة الصحون وفيلتر الماء، في أي منزل يحترم نفسه.
تستخدم شقيقتي قِدر ضغط من نوع «سيب تيفال» وهو نوع تقليدي عالي الجودة، غير موجود في السوق هذه الأيام. كانت والدتي قد أهدته لها قبل أكثر من عشرين عامًا فترة زواجها، وقد كلّف في ذلك الوقت قرابة الستمئة ريال! وهو سعر غالٍ على قِدرٍ واحد فقط، إلا أن سيدات البيوت المتمرّسات يعرفون كيف ينفقون أموالهم على الأدوات ذات الكفاءة العالية والتي تستحق أن يُصرف عليها دون بُخل.
قبل خمس سنوات، تعطّل القِدر، وقررت إيناس أن تأخذه إلى الصيانة، أخبرها المسؤول أنه سيقوم بإصلاحِه بشرّط ظريف: وهو تعهّدها بألا تفرِّط فيه، لأنه – حسب كلامه – أصبح عملة نادرة وقد توقّفت الشركة عن إنتاجه منذ مدة، وهو معروف (رغم التعطّل الطارئ) أنه قِدرٌ محترم ولا مثيل له في جودته وكفاءته، وبالطبع هذا ما حصل.
البارحة، قررت إيناس أن تطبخ «رز بخاري» فيه، وعندما نضجت الطبخة، حاولت فتحه، ولكنّه قرر ألا يُفتح! والسبب، أن مسمارًا علويًا كان قد كُسِر وعُلِق بشكلٍ ما بحيث أصبح لا يستطيع الإنسان العادي فتحه بيديه المجردتين. وقد حاول زوجها ممارسة ما يمكن من مهامه في هذه الحياة أن يفتح القِدر بكل قوة، ولكن دون جدوى، وهذا ما جعله يقترح أن يتم إرسال القِدر إلى «بنشري» إطارات، والذي سيستطيع أن يفتحه بإحدى آلات فصل الإطار عن «الجنط». وبالفعل عاد سائق المنزل بالقِدر وهو مفتوح.
اقترح السائق ببراءة على شقيقتي أن تتخلّص من القِدر لأنه – على ما يبدو – قديم نوعًا ما، وبالطبع لم تستجب لهذا الأمر. تناولت الأسرة غداءها بسلام، وقررت أن ترسل القِدر يومها إلى الصيانة. قام السائق بالاتصال عليها هناك لتتحدث مع المسؤول، والذي كان إنسانًا لطيفًا ومهذّب، وقد وعدها أنه سيصلح القِدر في أسرع وقت، لأنه يعي دوره الحيوي في حياة كل أسرة مقدّرة له، بشرط.. أن تحتفظ بالقِدر بقية عمرها، لأنه عملة نادرة!
كرر عليها الموظف ما قاله زميله قبل خمس سنوات، وأخبرها أن هناك أدوات في حياتنا، لا يمكن للإنسان العاقل أن يتخلّص منها، وهذا القِدر النادر بلا شك أحدها. وعدته، كما وعدت زميله بالاحتفاظ به، ضاربة اقتراح السائق بعرض الحائط طبعًا، ليعود القِدر بعد يومين دون «الصفّارة» التي تتمركز أعلاه.
اضطرت للاتصال على نفس الشخص، والذي اعتذر منها بحرارة، عن نسيانه لمكان وضعها عندما قاموا بإصلاحه، وقد عرض دون تفكير أن يعطيها صفارة جديدة مجانًا، تقديرًا لتقديرها لهذه التحفة الفنية. والتي لا يقدّرها إلا سيدات الأصول.
النشرة الإخبارية
انضم إلى النشرة الإخبارية لتلقي آخر التحديثات.