قِدر الضغط مرة أخرى وتمسّكنا بالأشياء العزيزة
عندما لا نُمانع تِكرار أخطاءنا.
كتبتُ مقالاً بتاريخ ١٨ ديسمبر ٢٠٢٣م (أي قبل عامين بالضبط)، عن قصة «قِدر الضغط» الخاص بشقيقتي إيناس والذي لم يُفتح وقتها، مما اضطرها لإرساله إلى فني إطارات (بنشري) ليفتحه.
من المثير جداً، معرفة أن الحادثة حصلت في ظهيرة ١٧ ديسمبر ٢٠٢٣م وكتبتُ عنها في اليوم التالي: ١٨ ديسمبر ٢٠٢٣م. وها هو تاريخ اليوم (١٧ ديسمبر ٢٠٢٥م) يتكرر فيه الأمر نفسه بالطريقة نفسها وفي الوقت نفسه، ليكون الحل هو الحل نفسه: إرساله إلى «البنشري» الذي سيفتحه بأدواته. الفرق الوحيد أن محتوى القِدر وقتها كان «رز بخاري»، واليوم «ترمسٌ» كان قد جلبه زوجها.
لم تقتنع شقيقتي منذ سنتين، بطبيعة الحال، بالتبرع بالقِدر؛ لاقتناعها بأنه ثروة عائلية بامتياز، كما ذكرنا في المقالة الأولى. توقعت أن يُظهر القِدر نوعاً من الغلظة بعدم انفتاحه، وهذا العيب وإن حصل فسيكون متباعداً في فتراته، التي تستحق أن يصبر الإنسان على عيوبه مقابل ميزاتها. فهي تنظر إليه نظرة الخادم المميز، الذي يخطئ مرة كل عامين، ليُغفر له.
يملك الكثير من الناس المعضلة نفسها مع عدة أشياء يقتنونها؛ قمصان، ساعات، أثواب. يعرفون حق المعرفة أن عمرها الافتراضي قد انتهى، إلا أن شيئاً ما يجعلهم متمسكين بها. اشتريتُ مثلًا، خمسة عشر قميصاً (تي شيرت) سادة (خمسة منها باللون الأسود) من العلامة التجارية «بولو رالف لورين» ما بين الأعوام ٢٠١٩م - ٢٠٢١م عندما كنتُ مقيماً في ميامي، حيث صادف وقت الشراء تخفيضات كبرى جعلت القمصان «بتراب الفلوس» كما نقول بالعامية، لدرجة ظن بعضهم أنني أود المتاجرة بها.
اتخذتُ على إثرها قراراً شجاعاً بأن ألتزم بنوع واحد فقط من القمصان في كل «طلعة»، لا أخرج عنه ولا أفكر في تغييره مهما حاول الآخرون إقناعي. كان الأمر متطرفاً لدرجة أن كل صوري خلال تلك العامين توحي بأنني لا أملك غير قميص واحد، وفي الحقيقة كنتُ -مثلاً- أملك إلى جانب الخمسة السوداء، اثنين كحليين، واثنين باللون الرمادي الغامق، وكانوا يظهرون في الصور كلهم سود.
عندما عدتُ منتصف عام ٢٠٢١م، اكتشفتُ أن الحصول عليها بنصف السعر الذي اشتريتُ به أمرٌ شبه مستحيل، مما اضطرني آسفاً إلى التحول إلى طرق لبس مختلفة نسبياً، كما أن الأثواب الرجالية السعودية مريحة لدرجة تجعل الإنسان يلغي فكرة اللباس «الكاجوال» من حياته اليومية. وشاهدي، أن اثنين من القمصان السوداء قد اهترآ فعلاً! وعندما فكرتُ مجرد التفكير بالتبرع بهما، أصبتُ بنوع من الحنين والحزن؛ لارتباطهما العاطفي بذكريات جميلة. قررتُ على إثرها قراراً جديداً شجاعاً، بأن ألبسهما داخل المنزل فقط، كما أرسلتُ ثلاثة أو أربعة منها (والتي اهترأت نصف اهتراء) إلى منزلي في إسطنبول، رغبةً مني في إطالة عمرها الافتراضي - قدر المستطاع - مع قلة الاستهلاك.
اكتشفتُ بعد كل ذلك أنني لستُ وحيداً في هذا السلوك! فالكل متعلق بشيء ما يراه الآخرون هباءً. ولعل أبسط نصيحة يمكن أن تأخذها شقيقتي تجاه القِدر: «صدّقيه!». وهو ما قد صَرحتْ بفعله في جروب العائلة عالواتساب، إلا أنني شخصياً أشك في ذلك؛ لمعرفتي بارتباط نفسياتنا بالحنين تجاه بعض الأشياء القليلة، والتي -غالباً- ما تستحق تقديرها الخاص.
لا يكون أي خطأ خطأً جسيماً عندما يتكرر؛ إن كنا واعين له ومتحملين مسؤوليته ومتقبلين له. هي تعرف أن عمر قِدرها الافتراضي قد شارف على الانتهاء، كما أعلم أن التمسك في ماضٍ ذهب ولم يعد غير مجدٍ، فلن يجلب «التي شيرت» ميامي إلى حجري! ولكن شيئاً ما لا يمكن تفسيره جعلني متمسكاً به حتى كتابة هذه السطور.
النشرة الإخبارية
انضم إلى النشرة الإخبارية لتلقي آخر التحديثات.