تخطى الى المحتوى

كيف تتعامل مع الفقد؟ (ملفات القرّاء ١١)

المبالغة في التعبير – خصوصًا للرجال – ينقلب أحيانًا إلى مأساة نفسية حقيقية بدلًا من محاولات انسجام مع الواقع

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف
كيف تتعامل مع الفقد؟ (ملفات القرّاء ١١)
Photo by Ian Taylor / Unsplash

لا تغيب عني فكرة موت أحد الأحبة وبالأخص الوالدين. أجدني بشكل ما أتخيل هذا الحدث من باب الاستعداد! ولا أدري إن كان ذلك الفعل صوابًا. وأتساءل دائما كيف يعيش الناس بعد فراق الأحبة، وكيف يتعايشون مع مثل هذا الحزن، وهذا ما يقودني إلى السؤال. هل كنت مستعداً لفراق والدك رحمة الله عليه، وكيف تعايشت مع هذا الحزن؟ وماذا تعلمت من والدك لتصبح أبا قادرا على إسعاد أبنائه. 

دمت بخير.


أخي العزيز رائد،

أكتب هذه الرسالة، وأنا أعيش أيامًا فيها شيئًا من الفقد؛ ليس فقدًا بسبب الموت لا قدر الله، بل إنسانًا تحول من أقرب القريبين، إلى قطيعة تامة، وكم هو مُحزن أن تؤول الأمور إلى هذه المرحلة، ولكن هذه سنة الحياة.

إجابة على السؤال الأول؛ لا يوجد طريق واضح لهذا الأمر مع الأسف، لكنني أعرف يقينًا أن الأيام كفيلة دائمًا بحل كل الأحزان. لا يوجد شيء يكافئنا مثل الصبر، لا شيء.

يخبر الفيلسوف سينيكا صديقه المهدد بالسجن على طريقة ستساعده إن سُجِن وتحقق هذا الأمر، بأن يتخيّل أسوأ شيء ممن الممكن أن يحدث له، يعيشه بكل أحاسيسه، وثم يعيد هذا الخيال إلى مكانه، وبهذه الطريقة سيستوعب أن أسوأ شيء من الممكن أن يحدث له، ليس بنفس درجة السوء في الواقع.

شخصيًا أجبرت نفسي منذ سنوات طويلة على تخيّل وفاة والدي رحمة الله عليه (سرًا بيني وبين نفسي) لكي يكون وقع هذا اليوم أخف قليلًا، وبالطبع لم يكن بتلك الخفة، لكن أعترف أن هناك شيء حدث داخلي أشعرني بشيء من الصبر والاطمئنان، ولو إنني أفتقده كثيرًا حتى اليوم.

تحدثت الكاتبة أبيجيل شرير عن أمر مشابه، وهو أن الإنسان – أي إنسان – لا يجب عليه أن يستسلم لمشاعره في حال تسلّم أي مصيبة في هذه الحياة، وأن عليه عوضًا عن الانخراط بالتعبير المستمر وغير المتوقف (خصوصًا للمستشارين النفسيين كما أصبحت الصرعة الآن) أن ينشغل في كل ما يتعلق في المستقبل؛ المزيد من الأصدقاء، والأعمال، والاقتراب أكثر من الأسرة. أحيانًا يكون الهروب علاجًا سحريًا للإنسان، ريثما يتخلّص العقل الباطن من أحزانه بهدوء. ولذلك وُجدت الثلاث أيام عزاء في طقوسنا الإسلامية، وهي أمر عظيم بحق.

كتبت سابقًا أن المدربين اعتادوا ألا يسألوا لاعبيهم عن شعورهم لأن ذلك إن حصل، سيتوقف التدريب، وتتحول جلسته إلى جلسة فضفضة لا نهائية، يفقد فيها اللاعبين كل ما تبقى من طاقة للتمرين والمضي قدمًا. المبالغة في التعبير – خصوصًا للرجال – ينقلب أحيانًا إلى مأساة نفسية حقيقية بدلًا من محاولات انسجام مع الواقع؛ هكذا بكل شفافية أصبحت أرى الأمر اليوم (عكس نظرتي لصحتنا النفسية في السابق).

وبخصوص سؤالك الثاني: تعلمت شيئًا واحدًا فقط. إنَّ الثروة هي في الأسرة الكبيرة والمتكاتفة وعائلتها الممتدة من الأرحام والأصدقاء، وليست في المال، ولذلك دائمًا ما كان يقول «أنا أملك ثروة طائلة» ويقصد فيها بالتأكيد أبناءه وأحفاده. هذا الأمر تحديدًا أحاول زرعه في بناتي، ودائمًا ما أُذكِّرهم أن الأسرة والأصدقاء يجب أن يكون لهم الأولوية القصوى في حياتهن، مهما كانوا منشغلين.


اسألني: ahmad@amoshrif.com

 

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات